هل احترم قرار تنقيل الجمركيين في زمن كورونا الضوابط القانونية؟

الكاتب : الجريدة24

11 أغسطس 2020 - 09:50
الخط :

يقوم ركن السبب في القرارات الإدارية على وجود واقعة قانونية أو مادية تحدث وتقع بعيدة عن إرادة السلطة الإدارية التي تعتزم إصدار القرار، فتحركها وتدفعها إلى إتخاذ هذا القرار في مواجهة هذه الواقعة المادية أو القانونية . ويستلزم لصحة ركن السبب في القرار الإداري أن يكون متعلقا بحالة موجودة فعلا، سواء من حيث الواقعة المنشئة مثل وجود خصاص لشغل مهام معينة تبرر نقل الموظف أو من حيث الأساس القانوني الذي يقنن عملية انتقاله كما يتعين من جانب آخر أن يراعى في اتخاذ القرار تقدير درجة ملاءمة هذه الواقعة و تقدير مدى خطورتها .

و لقد بادرت إدارة الجمارك و الضرائب غير المباشرة من خلال مديرية الموارد البشرية إلى إصدار قرار بنقل موظفين في فترة الحجر الصحي من و إلى جهات متباينة في تصنيفها بين مناطق درجة أولى و مناطق درجة ثانية الشيء الذي جعل قرارها يشوبه عيب السبب.

ولتبيان ذلك بشكل مفصل قالت مصادر للجريدة24 إن في وسيلة وجود النص القانوني من المعلوم أن النصوص القانونية التي تهتم بالوضعية الفردية لموظفي الجمارك إنما تُسْتَمد - في غياب النظام الأساسي لهيئة الجمارك - من قانون الوظيفة العمومية خاصة في المادة 64 التي ترهن قرارات الانتقال الصادرة عن الإدارة إما بتقديم الطلب من المعني بالأمر مع مراعاة حالته الإجتماعية، و إما بوجود مصلحة عامة تستدعي نقل الموظف.

ولأن الانتقال الإجباري مقصور على الرؤساء بموجب الرسالة الملكية المحررة بالقصر الملكي بالرباط يوم 15 نونبر 1993 بعد قضائهم أربع سنوات في منصبهم، و نظرا لكون قانون الوظيفة العمومية قد ألزم الإدارة بالحسم إيجاباً أو سلباً في انتقال المرؤوسين بناء على طلباتهم و رغباتهم حفاظا على الاستقرار الاجتماعي و الأسري و في حدود ما تقتضيه مصلحة الإدارة، و حيث إنه في نازلة الحال لم يسبق لهؤلاء الموظفين أن قدموا طلبات لهم بالانتقال مما يبقى معه السبب في هذا الشق غير مؤسس على سند معقول.

وفي وسيلة ادعاء المصلحة العامة يقصد بالمصلحة العامة في قرارات الانتقال ضرورة توفر حاجة ملحة لسد فراغ مهني بفعل نقصٍ في عدد الموظفين بالوجهة المعنية ضمن قرار الانتقال أو لِقِلَّةٍ في الكفاءات داخل هذه الوجهة تؤثر سلبا على السير العادي للمصلحة أو المرفق العمومي، و مما يلاحظ بخصوص هذه الوسيلة هو افتقارها أيضا لسبب معقول، ما دام أن المصلحة العامة في هذا الموضع غير مُقَدَّرة بضرورتها، و مما يشهد على ذلك هو أن قرار النقل شمل عدداً معلوماً من الموظفين بترحيلهم من مدينة معينة و تعويضهم بعدد مماثل من الموظفين من مدينة أخرى من أجل القيام بنفس المهام دون مستلزمات للكفاءة أو لشروط تقنية تستدعي هذا الانتقال.

كما يلاحظ من جانب آخر أن قرار الانتقال هذا الصادر عن مدير الموارد البشرية بإدارة الجمارك لا يمكن التأصيل له إلا في إطار العقوبة التأديبية، بمعنى أن يكون الموظفون الذين شملهم قرار الانتقال قد ارتكبوا أخطاء مهنية تستوجب توقيع العقاب، و الحقيقة أن هذا الشرط غير متوفر في نازلة الحال ما دامت المساءلة عن الأخطاء المهنية تستلزم تمتيع الموظف بالضمانات التأديبية المكفولة بموجب قانون الوظيفة العمومية من قبيل الاستفسارات الموجهة و العرض على أنظار المجلس التأديبي و إعداد الدفاع شخصيا أو عن طريق توكيل محامٍ و إلا كان القرار من هذا الجانب مشوباً بعيب الشكل الذي يوجب إلغاؤه، أو لربما كان مشوبا من جهة ثانية بعيب إساءة استعمال السلطة مثلما أقر ذلك حكم المحكمة الإدارية بالدار البيضاء رقم 86 المؤرخ يوم 14 فبراير 2001 في الملف 106/2000 بقوله: "و حيث إنه فضلا عن ذلك فإن القرار المطعون فيه و إن كان يتجلى من ظاهره أنه اتخذ لتحقيق المصلحة العامة فإنه في باطنه جاء متضمناً في طياته قراراً تأديبياً مقنعا باعتبار أن نية الإدارة اتجهت إلى عقاب الطاعن من غير اتباع الإجراءات المقررة لذلك، و بذلك تكون قد انحرفت بسلطتها في القرار لتحقيق هذا الغرض المستتر و يكون قرارها بمثابة الجزاء التأديبي المُقَنَّع مما يجعله مشوباً بعيب إساءة استعمال السلطة و معرضاً للإلغاء."

في نظرية توازن التكلفة و المنفعة تقضي هذه النظرية في القضاء الإداري بأن يكون سبب القرار الإداري قد راهن على حجم المنافع مقارنة مع نسبة المضار قبل إصداره. فالقرار الإداري مهما كان مستوفيا قانوناً لشروط صحته فإن مصيره يظل بين يدي القاضي الإداري الذي له أن يبسط رقابته كذلك على ملاءمة القرار بدل الاكتفاء فقط برقابة مشروعيته.

و قد سبق لمجلس الدولة الفرنسي في إطار ملاءمة الوقائع مع السبب أن أقر نظرية توازن التكلفة و المنفعة كما في حكم مدينة الشرق الجديدة الصادر في 28 ماي 1971 عندما أرادت الإدارة نزع ملكية عدد من المنازل لنقل الجامعة من وسط مدينة ليل المزدحم إلى ساحة واسعة خارج المدينة، حيث أكد مجلس الدولة على ضرورة بحث التوازن بين المضار و المنافع و انتهى إلى ترجيح جانب المنفعة العامة لأن هدم مائة منزل و ما يمثله من مضار و أعباء على أصحابها لا يقارن بالمصلحة العامة التي يحققها هذا المشروع الكبير.

و على هذا فإن قرار مدير الموارد البشرية بالنقل المتبادل للموظفين من منطقة مصنفة رقم واحد إلى منطقة أخرى مصنفة في الدرجة الثانية من حيث الوباء يكون قد خالف نظرية توازن التكلفة و المنفعة عندما لم يُعر مُصدره أدنى اهتمام بالحالة الوبائية التي تعرفها المملكة،

في الوقت الذي يفرض فيه الملك تعليمات صارمة للحد من انتشار الوباء و تسن فيه الحكومة تدابير في نفس الإتجاه دون إغفال دور الاجتهاد القضائي في الموضوع مثل قرار محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط الصادر بتاريخ 2020/03/26 الذي ألغى أمراً صادراً عن رئيس المحكمة الإدارية بالدار البيضاء بتاريخ 2020/03/23 بصفته قاضياً للأمور المستعجلة كان قد أذِنَ بفتح الحدود لمواطن أجنبي، حيث عللت محكمة الاستئناف قرارها بأن الإجراء المطلوب يمس بالسيادة في ظل الوضع الوبائي السائد.

وقد يستدعي إصدار مثل هذه القرارات مساءلة جنائية في حالة تفشي المرض بين الموظفين قد يثيرها هؤلاء بحجة وجود شبهة الإخلال بالتدابير الوقائية و الاحترازية المقررة من طرف السلطات العمومية للحد من انتشار الحالة الوبائية للمرض و ضمان سلامة الأشخاص على غرار التحقيق الذي سبق و أن باشره وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بسوق أربعاء الغرب ضد المسؤولين عن بؤرة للاميمونة بإقليم القنيطرة الذين لم يعيروا اهتماما للحالة الوبائية التي تمر بها المملمكة.

آخر الأخبار