رجاءً.. ارحموا هاجر وناقشوا القانون

الكاتب : الجريدة24

14 سبتمبر 2019 - 10:21
الخط :

هاجر الشامي

من المؤكد أن دفاع الصحافية هاجر الريسوني ومحيطها القريب يسير في اتجاه تكرار نفس سيناريو محاكمة توفيق بوعشرين، بإخفاقاته المتواترة وانحرافاته العديدة، وهو السيناريو الذي يراهن على الخروج الممنهج نحو الإعلام بحثا عن براءة افتراضية في منصات التواصل الاجتماعي، وحشد نفس الوجوه التي تحترف "النضال المناسباتي"، للحديث تارة عن تغوّل النيابة العامة، وتارة أخرى ادعاء استغلال القضاء للنيل من "المعارضين".

ففي محاكمة توفيق بوعشرين ابتدع محيطه القريب ما يمكن توصيفه ب "محاماة الفوضى"، على غرار "الفوضى الخلاّقة" التي أفرزت موجات التدافع الجماهيري التي عرفتها ثورات الربيع العربي، إذ كان النقيب يرشق الجميع بالتهم، ويكيل السباب والكلام البذيء للضحايا، ويُخاصم القضاة، ويُجرّح في حيادية المستشارين، ويشتكي المؤسسات الوطنية لمؤسسات مماثلة أو لهيئات دولية، لدرجة أضحى معها النقيب يشغل لوحده النقاش العمومي، وتطغى ملاسناته على القضية، فضاعت مصلحة المتهم في خضم تلك الفوضى، بينما اضطرت جمعيات المحامين لاشتراط الخبرة العقلية والنفسية في وافديها الجدد، تفاديا لتكرار مثل هذا النوع من المحامين.

وفي قضية توفيق بوعشرين، كان محيط المتهم يراهن على "مستشارين" يعملون في الظل لا يميزون حتى بين تفتيش المنازل وتفتيش المكاتب، ولا يفرقون بين الإذن الكتابي والتصريح المكتوب في إجراءات التفتيش، بينما عهد " هذا المحيط" لأشخاص صداميّين بالحديث إلى الإعلام، وعوض شحذ التضامن للمتهم، انبروا يُقسمون الإعلام إلى صديق حميم وإلى مناوئ يمتهن التشهير، لا لشيء سوى أن هذا النوع الأخير من الصحافة اختار أن يأخذ بناصية الضحايا والمشتكيات ويسلط الضوء على معاناتهن وآلامهن.

واليوم، يُعيد محيط الصحافية هاجر الريسوني اجترار نفس سيناريو محاكمة رئيس تحريرها السابق، وهي مسألة متوقعة وإن كانت غير موّفقة.

فهي مسألة متوقعة لأن محيط الصحافية هاجر هو نفسه محيط توفيق بوعشرين، فهيئة الدفاع هي ذاتها التي تترافع حاليا أمام كاميرات  وميكروفونات المواقع الإخبارية، بينما تكتفي بطلب التأجيل وإرجاء البت عندما تقف أمام هيئة الحكم، كما أن الناطق الرسمي في الملف هو ذاته العم سليمان الريسوني، الذي يوزع صكوك الغفران ويرسخ التشرذم في صفوف الصحافة، بينما المستشار القانوني هو عينه محمد رضى الذي لا يميز بين تفتيش المحلات المعدّة للسكنى وتلك التي يمتهن فيها نشاط مهني.

وبقدر ما هي مسألة متوقعة فإنها غير موفقة أيضا، لأن الفريق الناجح والرابح هو الذي لا يخضع للتغيير حسب مدلول المثل الشائع، أما الفريق الخاسر فيحتاج إلى مراجعة في المبنى وفي التكتيك، لأنه لا يمكن إقناع قاض بالبراءة بالاعتماد على تصريحات إعلامية واتهامات اعتباطية مثلما وقع في محاكمة بوعشرين، وذلك لأن المحكمة لا تحكم إلا بما راج أمامها ولا يمكنها أن تقضي بأكثر مما طلبه الأطراف.

كما أن القاضي يناقش القانون ولا يأبه بأوهام نظرية المؤامرة، وبصيغة أخرى أكثر تبسيطا، فالقاضي لا يعبأ بمزاعم العم سليمان الريسوني أو تخوينات المعطي منجب أو فتاوى محمد رضى، وإنما يعتد بالطلبات الأولية، والملتمسات الكتابية، والدفوعات الشكلية، والمرافعات الشفاهية، وما يقدمه الأطراف من حجج وأدلة وإثباتات.

وللتذكير، هناك قضايا كثيرة بتَّ فيها القضاء المغربي، وهناك أيضا محامون كُثر ناقشوا قضايا بالغة الأهمية مقارنة مع ملف هاجر الريسوني، ومنهم من حصل على البراءة لموكله، ومنهم من استصدر حكما مخففا أو تعويضا ماليا مهما، ولا أحد يتذكر أن سمع تصريحاتهم العلنية أو تخوينهم للقضاء أو تجريحهم في النيابة العامة. فهذه الفئة من المحامون، وهم ثلة غير قليلة، يراهنون على التشريعات الوطنية، لأنهم يحترفون القانون، ولا يأبهون بأمور السياسة التي لا تتقاطع مع القانون إلا في مجال التشريع وليس في الممارسة.

وعلى النقيض مما سبق، يأبى محيط هاجر الريسوني إلا أن يُضعف موقفها القانوني، عبر الإسراف في السياسة، وعبر التصعيد الإعلامي، وعبر الركون لنفس الوجوه الخاسرة في الملف الأول، وذلك في محاولة لجعلها بطلة في معاناتها، تُدار على ظهرها حروب بالوكالة من أشخاص يمتهنون السياسة، ويتصيدون البطولات الافتراضية في وسائط الإعلام البديل، ويفترشون قارعة الطريق، ويتوشحون كوفية فلسطين كلّما كانت هناك وقفة أو مسيرة أو حركة احتجاجية بخلفيات سياسية.

رجاءً..

اتركوا هاجر ودفاعها يناقشون القضية أمام القضاء، وأقلعوا عن سياسة التخوين، و"بلقنة" الإعلام، لأنكم أصبحتم تثيرون السخرية والازدراء كلّما سمعنا محاميا من دفاعها يتحدث أمام الصحافة، وهو لا يميز بين اختصاص النيابة العامة وصلاحيات المؤسسات الدستورية من قبيل المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وكلما سمعنا أيضا أن طبيبا لا يمكن أن يقوم بالإجهاض لمجرد أنه حاصل على وسام أو تشريف...

رجاءً ناقشوا القانون في باحات المحاكم أو ارحمونا من تفاهاتكم.

آخر الأخبار