خلفيات الجدل المثار حول لغة تدريس العلوم بالمغرب

الكاتب : الجريدة24

02 مارس 2019 - 04:00
الخط :

رشيد لزرق- خبير في القانون الدستوري والشؤون البرلمانية

إن مطلب توحيد لغة العلوم هو مطلب يندرج ضمن تحقيق تكافؤ كمدخل من مداخل المواطنة، و هي في صلب الاختيار  الديمقراطي، ولقد أفرز الاختلاف حول لغة تدريس العلوم سعي القوي المحافظة، لإبقاء الوضع على ما هو عليه، تحت مبرر الأصالة، دون أن تجرؤ عن فتح نقاش الهوية، والحال أن هدفها ليس غير الحفاظ على الهيمنة النخبوية، لتيار "عائلوقراطي" يبسط أجنحته على قطاعات ذات قيمة مضافة، والعلوم كمجال لدواران النخب تم ضرب محتواه، لضمان عدم التغيير الجذري يسمح بتحقيق الدوران النخبوي وكبح بروز فئة فاعلة في الأجيال الصاعدة.

التلاقي مع جناح قوى التدين السياسي هو تلاق طبيعي على اعتبار أن التعليم بشكله الحالي يضمن لقوى التدين السياسي امتدادا أكبر، بالنظر لتخلف العلمي والتكنولوجي مما خلق عنصر الثبات وشروط  «استحالة» التغيير والتداول حول النخبة، و هي الآن تلتقي مع قوى التدين السياسي في مسألة تدريس العلوم بالعربية لفئات الجماهير الشعبية، انطلاقا من محاولتهما إبقاء هيمنتهما الأولى من خلال إرثها الكبير من الاستقلال لليوم والثانية التي تريد المحافظة على تناقض المنظومة التعليمية التي يزودها بإنسان متناقض مع روح العصر، وعاجز عن الانخراط في الثقافة الكونية، لضمان استمراريتها لمدة أطول، وبالتالي فهي لا تهتمّ بوعي الواقع في العمق، لأنها لا تمتلك مشروع ديمقراطيا، يؤهلها لذلك، كي يتسنى لها تحقيق مصالح الجماهير الشعبية، من خلال تعليم عمومي قوي يوفر شروط دوران النخب.

ولعل من غرائب الأمور عند حزب الاستقلال، والنخب الموريسيكية، على وجه الخصوص، أنهم يرفعون شعار "العربية" لتدريس العموم، لكنهم في حياتهم العادية لا يتحدثون إلا باللغة الفرنسية، لتبقى هذه اللغة كعائق طبقي أفرغ التعليم الجماهيري من أن يكون كعامل للتسلق الطبقي.. وبات هذا العامل حاجزا يمنع الدخول في تجمعاتهم المغلقة؛ كما نجد أصحاب هذا الشعار، أيضا، يتحدثون في حياتهم اليومية داخل بيوتهم ومع أبنائهم منذ الولادة بالفرنسية، ويسعون لإدخالهم لمدارس البعثات الفرنسية، ولا يشاهدون في التلفزة إلا القنوات الفرنسية، ولا يتابعون إلا الفضائيات الفرنسية.

وهكذا، فهذه هي الفئة المستفيدة من الواقع، ونتيجة الطبيعي أن  تقاوم تغييره، في ظل تعليمنا العمومي الفاقد لمقومات الجودة، ولا تخرج منه سوى فئة قليلة منعزلة عن المحيط الكوني، لا ترى هذا المحيط إلا من موقع الماضي، متشبثة بالخصوصية؛ وبالتالي ترفض كل نقد.. وهو موقف يتعارض مع الانخراط في الثقافة العالمية والتعدد الثقافي، ويحن للوصاية الـ"عائلوقراطية".

والسؤال الموجه لهم هو: هل كانوا يتصورون العالم قبل ستين سنة من الاستقلال كما هو عليه العالم اليوم؟ إن الوطني الحقيقي هو من  يستعد، ويعد كذلك، لمغرب المستقبل، مغرب المواطنة والتلاقح الثقافي، ويتولى على أساس هذه الرؤية التقدمية إعداد أجيال الغد.

ما يجمع قوى التدين السياسي وحزب الاستقلال، هو نوع من القلق في تغيير المنظومة، الأول اعتماد اللغة العربية في العلوم يضمن له بقاء نفس النخب، و الثاني كون التعليم بشكل الحالي، يوطد الابتعاد عن الانخراط في الثقافة الكونية، و إتقان العلوم يؤهل المغرب إلى إحداث تغيير جذري، يقوي مخاوف الفئة المسيطرة، لهذا يعارضون التغيير لكونه سيصبح محل  رعب من و خسران بالنسبة لهم.

إن كل الحجج التي يقدمونها هي حجج إيديولوجية غايتها كبح التغيير الجذري والمشروع المجتمعي.

رأي