جريمة مؤنثة.. قتلت زوجها ببندقية

الكاتب : الجريدة24

24 يونيو 2023 - 04:00
الخط :

 رضا حمد الله

كل أفراد العائلة انتشروا في الأرض في ذاك الصباح الصيفي. كبارهم منهمكون بالحصاد، وصغارهم لفظتهم المدرسة يرعون الماشية على مقربة منهم. الكل يكد ويتعب لأجل عيش ولو كان قاسيا ومرا. كلهم غادروا المنزل باكرا، إلا الأم انهمكت في إعداد طعامهم، في انتظار الالتحاق بهم في الظهيرة. لا راحة ولا كلل، إنهم يصبحون كخلايا نحل كلما حل الصيف وحان موعد جني الغلة في باقي الفصول.

سمعت الأم دقات قوية على باب المنزل القروي المبني بالحجر والطين المحشو بالتبن والمسقف بالقصدير. احتارت لمن يكن الطارق في هذا التوقيت المنهمك الجميع فيه في عمله. ظنتها جارة تحتاج مساعدة أو شيئا من حاجيات المطبخ. هرعت لفتح الباب ومعرفة من الطارق. دهشتها وحيرتها زادتا. إنها ابنتها البكر، حلت على غير عادتها. المفروض أن تكون في بيتها، فما سبب قدومها؟.

كانت الابنة باكية مذعورة، وعلى ظهرها صغيرها ذي السنتين ربيعا وبيدها تجر شقيقه الذي يكبره ب3 سنوات. كانا باكيين بدورهما. هما ثمار زواجها من ابن قريتها، تعلقت به وتزوجا عن حب. ثمان سنوات مرت على ذلك، لم تهتز علاقتهما فيها لأي طارئ. كانا مقتنعان ببعضهما وحياتهما. هو في الثلاثينيات من عمره، يعمل فيما ورثه من أرض عن والده، وهي تصغره ب4 سنوات وربة بيت لم تتخاذل في القيام بمسؤوليتها في رعاية ابنيها والقيام بواجباتها المنزلية.

لكن لماذا عادت لمنزل والديها في ذاك الصباح على غير العادة وهي على تلك الحالة غير المعهودة؟. سؤال حاولت أن تجد الأم جوابا له. عبثا حاولت معرفة سبب زيارتها. كلماتها كانت متقطعة تخرج بصعوبة من فمها. بكاؤها وحالتها النفسية، لم تسمحا بسلاسة كلامها. ابنتها في حالة يرثى لها، وابناها كذلك. منسوب حيرة الأم يزداد، لم تفهم مما قالته ابنتها غير كلمة "ضربتي"، لتتوجه بالسؤال لحفيدها لعلها تظفر بجواب يذيب حيرتها.

- ماما قتلت بابا

جواب لم تصدقه الجدة. كررت السؤال فأعاد نفس الجواب، ونظرت لابنتها في استغراب. اكتفت الابنة بتحريك رأسها بما يفيد الإثبات والتأكيد. ولطمت الأم خديها حسرة، متسائلة:

- كيف حدث ذلك؟، لا أصدق

كررت ابنتها تحريك رأسها مؤكدة ما قاله ابنها البكر، وأجهشت بالبكاء. لم تكن قادرة على الحكي والبوح والاسترسال في التفاصيل.

هاتفت الأم زوجها وأخبرته وترك المنجل والحقل وعاد مسرعا. صدمته أكبر. لم يتوقع أن تقتل ابنته أب ابنيها. يعلم أن علاقتها به جيدة كما بباقي أفراد عائلته. تحترمهم ويحترمونها، وتقدر تضحية زوجها، وهو كذلك، إلا ما قد يكون بين الزوجين ولا يعلمه أحد من أهليهما. فما الذي حدث وغير كل شيء؟. بدوره حاول الاهتداء لسبب يقنعه، دون جدوى. ابنته ما زالت تحت وقع الصدمة. الحروف تخرج متقطعة بين شفتيهما، ولا يمكن لأحد أن يفك شفرتها.

استنفرت العائلة أفرادها وتوجهوا إلى منزل الأصهار الواقع بقرية مجاورة على بعد نحو كيلومترين كانوا فيها وكل من رافقهم في حالة شرود مشدوهين لما وقع وحائرين في البحث عن الأسباب. أما الزوجة فتركت محروسة من قريباتها بالمنزل. لا يمكن أن يتركنها وحيدة، فقد تؤذي نفسها. ولا يمكن أن ترافق الأب ومن معه، فقد تكون ضحية انتقام وثأر، فالأعصاب ما تزال فائرة ويمكن أن تحرق كل شيء.

في منزل الأصهار، كانت عناصر الدرك حضرت لتوها، وقد وضعت حزاما وسط فناء المنزل المفتوح في جانب منه على حقل مغروس بأشجار الزيتون. منعت الجميع من الاقتراب من مسرح الجريمة. كانوا منهمكون في المعاينة وجمع الأدلة أما أعين عشرات الناس المتجمهرين. الأحاديث ثنائية وثلاثية ممن هجروا حقولهم وحضروا. لا حديث للجميع إلا عن هذه الجريمة غير المألوفة في قرية صغيرة استفاقت في ذلك الصباح، على فاجعة غير مسبوقة.

لم تكن علاقة الزوجين على ما يرام في أيامها الأخيرة، لكنهما لم يجهرا بما بينهما ولا أحد اهتدى إليه. أسرارهما لا يعرفهما غيرهما. كانا يتخاصمان ليلا ويقابلان الناس بالبسمة والمرح، نهارا إسكاتا لأفواه نهشت سمعته في الخفاء. كانت تعاتبه على زيغان لم تتثبت منه، وكان يعنفها كلما غالت في ذلك. لم يسمع أنينها وصراخه. لم تشتكيه لأحد حتى شقيقته الأصغر، كاتمة أسرارها. وظلت صابرة وبقي متريثا لحين عودة علاقتهما لسابق عهدها من الود والتفاهم.

الألسن لاكت إشاعات عن علاقته بفتاة من دوار مجاور، ومحسنات استغلال الإشاعات، أخبرنها بذلك وأشعلن فتيل الخلاف. توترت علاقتهما وأخفت ظلمة الليل حقيقة ما يجري بغرفتهما الحاجبة خلافات كتماها. لم تبح حتى لوالدتها، بما يرسمه من خطوط للتعذيب على جسدها كلما فاتحته في إشاعة خيانتها. كان يحاول في كل مرة، إقناعها ببراءته ولم يتوانى في ضربها كلما لم تتفهم وزاد إلحاحها ومغالاتها في الاستفسار.

في ذاك الصباح نهضا فجرا وأعدت عدة فطورهما. وتناولاه دون ابنيهما كانا ما يزالان نائمين. وتجدد النقاش واحتد وهم بضربها بإبريق الشاي أخطأ في تصويبه. فرت منه ودخلت الغرفة محكمة إغلاقها من الداخل. لم تصرخ ولم تستنجد بأقاربه في منزلهم المجاور، كتمت الأمر وجلست تفكر بعمق، وهو ما يزال في حالة عصبية يمشي وسط فناء المنزل، متلفظا بكلمات نابية مستها في شرفها وهي التي لم تعرف رجلا غيره. كانت تدري أنه لو أمسكها سيذيقها جرعات تعذيب يفجر بها غضبه بجسدها.

كانت في الغرفة الشاهدة على حميمية أيامهما الجميلة، بندقية صيد. كان مولعا بالقنص. ولم يتوقع أن يقتنص بنفس البندقية التي اصطاد بها الوحيش. وهي في شرودها، تذكرتها وترجلت إليها وأمسكت بها وعادت للباب. نظرت ألى الفناء وحيث يوجد، من خلف ثقت بها. وأطلقت رصاصتين عشوائيتين. لم تكن تحسن التصويب ولا سابق لها به. لكنها لما صوبت أصابته في صدره بطلقتين أحدثتا ثقبين في الباب عاينتهما عناصر الدرك.

سقط الزوج صريعا ونزف دما كثيرا. كان يصرخ معاتبا وقت لا ينفع العتاب ولا الندم. ولم تمر إلا فترة وجيزة حتى لفظ أنفاسه. استغلت وفاته وأمسكت بابنيها اللذين استفاقا مذعورين وشاهدا أباهما جثة هامدة، وفرت لمنزل عائلتها، قبل أن تسلم نفسها للدرك. أوقفت وحقق معها وأحيل على الوكيل العام الذي أحالها على قضاء التحقيق قبل محاكمتها والحكم عليها ب20 سنة سجنا نافذا لم تنهيها بعد.

آخر الأخبار