"ما يميّز المغرب في واقع الحال، وجود ملك يصارح مواطنيه. يعود ذلك إلى الثقة المتبادلة العرش والمواطن، ثقة تعتبر امتدادا لـ"ثورة الملك والشعب" في العام 1953"، هكذا أدلى الكاتب الصحفي اللبناني خير الله خير الله، في مقال له على موقع "ميدل إيست أونلاين" الذي يصدر من لندن، مستحضرا الخطاب الملكي السامي الذي وجهه الملك محمد السادس، إلى ممثلي الأمة بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية.
وقال الكاتب الصحفي في المقال الذي نشر اليوم الاثنين 17 أكتوبر 2022، بعنوان "صراحة ملك..."، إن "العاهل المغربي ألقى، يوم الجمعة الماضي خطابا أمام النواب في مبنى البرلمان في الرباط. كان لافتا تركيزه على موضوعين داخليين فقط. يتعلّق الموضوع الأول كما ورد على لسان محمّد السادس نفسه بـ"إشكالية الماء، وما تفرضه من تحديات ملحة، وأخرى مستقبلية، والثاني يهمّ تحقيق نقلة نوعية، في مجال النهوض بالاستثمار".
الملك وحقيقة الإجهاد المائي
لفت الكاتب الصحفي اللبناني خير الله خير الله، الانتباه إلى أن الملك محمّد السادس صارح المغاربة بالقول إن "الماء أصل الحياة، وهو عنصر أساسي في عملية التنمية، وضروري لكل المشاريع والقطاعات الإنتاجية. من هنا، فإن إشكالية تدبير الموارد المائية تطرح نفسها بإلحاح، بخاصة أن المغرب يمر بمرحلة جفاف صعبة، هي الأكثر حدة، منذ أكثر من ثلاثة عقود. ولمواجهة هذا الوضع، بادرنا منذ شهر شباط - فبراير الماضي، باتخاذ مجموعة من التدابير الاستباقية، في إطار مخطط مكافحة آثار الجفاف، بهدف توفير ماء الشرب، وتقديم المساعدة للفلاحين، والحفاظ على الماشية. وإدراكا منا للطابع البنيوي لهذه الظاهرة ببلادنا، ما فتئنا نولي كامل الاهتمام لإشكالية الماء، في جميع جوانبها".
وأشار كاتب المقال على الموقع اللندني إلى أنه وبعد عرض مفصل للتدابير والإجراءات المتخذة، بما في ذلك بناء خمسين سدّا في السنوات الماضية، فيما هناك عشرون سدّا قيد الإنجاز، وضع العاهل المغربي مواطنيه أمام حقيقة أن المغرب "يعيش في وضعية إجهاد مائي هيكلي. ولا يمكن حل جميع المشاكل، بمجرد بناء التجهيزات المائية المبرمجة، رغم ضرورتها وأهميتها البالغة. لذا، ندعو لأخذ إشكالية الماء، في كل أبعادها، بالجدية اللازمة، لاسيما عبر القطع مع كل أشكال التبذير، والاستغلال العشوائي وغير المسؤول، لهذه المادة الحيوية. كما ينبغي ألا يكون مشكل الماء، موضوع مزايدات سياسية، أو مطية لتأجيج التوترات الاجتماعية. وكلنا كمغاربة، مدعوون لمضاعفة الجهود، من أجل استعمال مسؤول وعقلاني للماء. وهو ما يتطلب إحداث تغيير حقيقي في سلوكنا تجاه الماء. وعلى الإدارات والمصالح العمومية، أن تكون قدوة في هذا المجال".
الملك والاستثمار
حسب الكاتب الصحفي اللبناني فإن محمد السادس ملك يعرف كل التفاصيل المتعلقة بالوضع على الأرض في المغرب، وهو ما تنم عنه إشارته إلى أن جذب المملكة للاستثمار الأجنبي "يتطلب رفع العراقيل، التي لاتزال تحول دون تحقيق الاستثمار الوطني لإقلاع حقيقي، على جميع المستويات" بعدما أكد على أن الاستثمار "يحظى ببالغ اهتمامنا. وإننا نراهن اليوم، على الاستثمار المنتج، کرافعة أساسية لإنعاش الاقتصاد الوطني، وتحقيق انخراط المغرب في القطاعات الواعدة، لأنها توفر فرص الشغل للشباب، وموارد التمويل لمختلف البرامج الاجتماعية والتنموية"، محيلا على أن عرض الملك محمد السادس أهمّية الموضوعين المطروحين. لم يكتف بذلك. طرح حلولا عمليّة إن بالنسبة إلى الماء أو بالنسبة إلى الاستثمار من دون تجاهل أهمّية المغاربة المقيمين في الخارج وضرورة تقديم كلّ التسهيلات المطلوبة لهم.
وفي قراءته لمضامين الخطاب الملكي، أفاد خير الله خير الله بأن "ما يميّز المغرب في واقع الحال، وجود ملك يصارح مواطنيه. يعود ذلك إلى الثقة المتبادلة العرش والمواطن، ثقة تعتبر امتدادا لـ"ثورة الملك والشعب" في العام 1953. كانت تلك الثورة وقفة مشتركة للملك محمّد الخامس، رحمه الله، والشعب في مواجهة المستعمر الفرنسي. أخطأ المستعمر الفرنسي في حساباته عندما راهن على الفصل بين الملك والشعب. لا يزال هناك إلى اليوم، من يتابع ارتكاب مثل هذا الخطأ من منطلق الجهل بالمغرب وبطبيعة العلاقة بين المواطن والعرش بكلّ ما يرمز إليه".
ملك مغرب بألف خير
في المقابل، أكد الكاتب الصحفي اللبناني على أنه كان لافتا خلو الخطاب الأخير لمحمّد السادس من أي موضوع خارجي ولو بالإشارة. يدلّ ذلك على أهمّية سدّ أي ثغرات في الداخل المغربي، وهو داخل مطلوب تحصينه في عالم مليء بالتعقيدات، من حرب أوكرانيا وما خلفته من كوارث في مجال الطاقة والغذاء... إلى التغييرات المناخيّة، مضيفا "من ينظر، بحدّ أدنى من الموضوعيّة والتجرّد، إلى الوضعين الإقليمي والدولي، يتأكّد أن المغرب بألف خير. يعود ذلك، قبل كلّ شيء، إلى وجود ملك يعرف بلده والمنطقة والعالم. ملك يهتمّ بالتفاصيل الدقيقة، ملك ركز دائما على المواطن المغربي وكيفية تحسين وضعه على كلّ صعيد. في خطاباته الأخيرة، تطرّق إلى مستوى التعليم. لم يخف أهمّية رفع مستوى التعليم في المدارس الحكوميّة. تطرق، بين ما تطرّق إليه، إلى ضرورة تعلّم اللغات الأجنبيّة، إلى جانب العربيّة طبعا. ذهب في أحد خطاباته إلى إثارة موضوع تسهيل معاملات المغاربة، المقيمين في الخارج، في القنصليات والسفارات".
واستنادا إلى المقال الصحفي فإنه "ما كان للمغرب الذي حقّق اختراقات في كلّ المجالات على الصعيد الخارجي أن يتحول إلى جزيرة استقرار في المنطقة كلّها وجسرا إلى إفريقيا لولا تحصين الوضع الداخلي عبر شبكة أمان لشعبه. مكنته شبكة الأمان هذه من عبور جائحة "كوفيد – 19" بأقلّ مقدار من الضرر. كانت الجائحة تحدّيا للمغرب حيث اشرف الملك شخصيا على اتخاذ الإجراءات المطلوبة، على الرغم من القدرات المحدودة للدولة المغربيّة في غياب الثروات الطبيعيّة".
وأضاف خير الله خير الله "لولا الوضع الداخلي الحصين، لما كان المغرب نجح في مواجهة حرب الاستنزاف التي يتعرض لها من أجل منعه من تحقيق وحدته الترابية واستعادة صحرائه. لولا هذا الوضع الحصين، ما كانت الولايات المتحدة اعترفت بـ"مغربيّة الصحراء" ولما كان محمد السادس يستطيع الإعراب بكلّ راحة ضمير عن تقديره "للموقف البناء من مبادرة الحكم الذاتي، لمجموعة من الدول الأوروبية، منها ألمانيا وهولندا والبرتغال، وصربيا وهنغاريا وقبرص ورومانيا”. جدّد أخيرا عبارات التقدير، لـ"ملوك وأمراء ورؤساء الدول العربية الشقيقة، وبخاصة الأردن والبحرين والإمارات، وجيبوتي وجزر القمر، التي فتحت قنصليات في العيون والداخلة"، ولـ"بقية الدول العربية، التي أكدت باستمرار، دعمها لمغربية الصحراء، في مقدمها دول مجلس التعاون الخليجي ومصر واليمن".
ثم خلص الكاتب الصحفي اللبناني على موقع "ميدل إيست أونلاين" اللندني إلى ما يلي "تبدو عبارة تحصين الوضع الداخلي سرّ النجاح المغربي، وهي عبارة جعلت الملك محمّد السادس يصارح المغاربة مرّة أخرى عندما طرح موضوعي المياه والاستثمار الأجنبي، واضعا نواب الأمّة امام مسؤولياتهم أيضا".
* بتصرف عن "ميدل إيست أونلاين"