قضية "أميرة بوراوي".. لهذا فرنسا تهاجم المغرب ولهذا لن تستطيع الجزائر وتونس الكلام مع الـ"ماما"

الكاتب : الجريدة24

09 فبراير 2023 - 11:33
الخط :

 هشام رماح

الجزم بشأن نوعية الأنظمة الحاكمة التي تريدها فرنسا في إفريقيا والمنطقة المغاربية تحديدا، لا يتطلب الكثير من التأمل في قضية "أميرة وبراوي"، الجزائرية المعارضة التي طاردها النظام العسكري في تونس، وكاد يحصل عليها لولا أنها انتشلت من براثنه بوكزة من قصر الـ"إيليزي" لـ"قيس سعيد"، الرئيس التونسي الذي برهن للكل أنه لا يملك هو وحكام جارة بلاده الغربية قرارات أنفسهم.

المسألة بسيطة، فرنسا تريد دوام حال تحكمها في رقاب حكام تونس والجزائر، حتى تفعل ما يحلو لها، وهو أمر يفسر أيضا، الحملة الشعواء التي يتعرض لها المغرب منها، بعدما وقف في وجهها ولم يخضع ويخنع مثلما يفعل الساسة الذين زكتهم الـ"ماما" على قمة هرم الحكم في الجزائر وتونس على حد السواء.

وبالعودة لقضية "أميرة بوراوي"، فإنها صحافية وطبيبة معارضة للنظام العسكري الجزائري، واتهمت بالإساءة إلى عبد المجيد تبون، ساكن قصر "المرادية" تحت جنح العسكر، والتي كانت دخلت تونس بطريقة غير شرعية تروم بعدها السفر نحو فرنسا للالتحاق بابنها هناك، ولأنها مطلوبة من الـ"كابرانات" اعتقلها قيس سعيد، الذي كان يستعد لتسليمها إليهم، لولا أن أتاه من باريس ما يحول دونه وذلك.

كيف ذلك؟ الأمور لم تسر مثلما اشتهى العسكر الجزائري، إذ بمجرد تدخل فرنسا، انقلب "قيس سعيد" عن الذين انبطح لهم مرارا، بعدما بلغه أمر من "إيمانويل ماكرون"، بالسماح لها بالسفر نحو فرنسا، ليذيل على الفور أمرا رئاسيا، عطل مسطرة تسليم المعارضة الجزائرية لنظام الـ"كابرانات"، ويتيح لها السفر نحو مدينة "ليون" الفرنسية، لأنها تتمتع بجنسية الـ"ماما".

والأكيد أن قضية "أميرة بوراوي" حمالة أوجه، فهي تفيد بالملموس أن تونس ليست غير حديقة خلفية للجزائر، إذ أن هذا البلد اندحر وانحدر في عهد "قيس سعيد" إلى الدرك الأسفل، بشكل جعل حاكمها طيعا للعسكر الجزائري لا يعصي لهم أمرا ويفعل ما يؤمر به، فقد استعد في البدء إلى تمكينهم من مرادهم، قبل أن تتدخل فرنسا، ويتبين بعد ذلك، أن تونس والجزائر معا هما حديقتان خلفيتان للـ"ماما" ولا ميزة لواحدة على أخرى فيما يتعلق بامتلاك القرار.

وإذ تبدى جليا وبما لا يدع مجالا للشك، أن النظامين الجزائري والتونسي على حد السواء ليسا غير تابعين، من أذناب فرنسا، التي تتحكم فيهم مثل دمى متحركة من خلف الستار وأمامه أيضا، فإن هذه الطارئة المستجدة على الساحة المغاربية الفرنسية، تفرد أمام الجميع أسباب التوتر القائم بين فرنسا والمغرب، الذي لا يستكين لها، ويبرهن لها كل مرة أنه عسير الهضم، وليس لقمة سائغة مثل بعض جيرانه، ويبرر للملأ دواعي استهداف المملكة الشريفة دون غيرها من قبل بلد تقزم كثيرا لكن حكامه لم يفطنوا لذلك بعد.

وفي قضية "أميرة بوراوي"، سَخِرَت الأقدار من المتعالين المرضى بهداءات العظمة في النظامين الجزائري والتونسي، فقد جرت الرياح بما لا يشتهونه في ظرفية عصيبة، بعدما خرجت لهم المعارضة الجزائرية من الجنب، فلا هم يستطيعون الاستمرار في ادعاءاتهم ولا فرنسا تستطيع الصمت عن فظائع نظام جزائري، يضيق على معارضيه، بينما تسخر كل إمكانياتها للظفر بما يرضي خاطرها من المغرب، عبر إعمال ورقة حقوق الإنسان وحرية التعبير مثلما فعلت حين أصدر البرلمان الأوربي، في 19 يناير الماضي، توصية غير ملزمة للمغرب بإيعاز من "إيمانويل ماكرون" الرئيس الفرنسي.

الآن وبعدما ألف الجزائريون النوم والاستفاقة على تطبيل نظامهم لفرنسا، هم شهود على واقعة أهدرت فيها الـ"ماما" كرامة العسكر عيانا نهارا جهارا، وسيرونهم يترنحون استجداء لحفظ ماء الوجه، عبر استدعاء السفير الجزائري من باريس، والتهليل بأن الجزائر سيدة قرارها مثلما رطنت بذلك "مجلة الجيش"، لكن لا شيء من واقع الحال سيتغير، فحكام الجزائر محكومون ومعهم حاكم تونس، وليس للميت قول أمام غساله.

آخر الأخبار