العلاقات المغربية الإسبانية في أفق تغيرات المشهد السياسي الإسباني

الكاتب : الجريدة24

20 يوليو 2023 - 10:15
الخط :

وليد المنسي- طالب باحث في سلك الدكتوراه تخصص العلاقات الدولية بين المغرب و اسبانيا بجامعة محمد الخامس

جاء الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى التاسعة والستين لثورة الملك والشعب، مُحدداً بوضوح لجوانب ملفّ الصحراء المغربية واضعاً في نفس الوقت معياراً صريحاً وبليغاً يُحدد بشكل قاطع على أساسه شركاء المملكة المغربية من خصومها، ويضبط من جهة أخرى العلاقات التجارية والاستراتيجية مع باقي الدول بناء على وضوح المواقف من قضية الصحراء.

ولعل القصد من ذلك المنطوق الصريح والسيادي للمملكة المغربية اتجاه محيطها الجيوسياسي، كان يستهدف بالدرجة الأولى وبصفة عامة دول الاتحاد الأوروبي اللاتي يمثلن كتلة سياسية مهمة وذات وزن على الساحة الدولية ولعل الشق الخاص من الخطاب كان يعني أولاُ الجمهورية الفرنسية التي لازالت تتردد في الإعلان عن موقف صريح وواضح يخص وضع الصحراء المغربية، وهو الأمر الذي بادرت إليه الجارة الشمالية إسبانيا شهر مايو من السنة الماضية، حيث أعلنت دعمها لمقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب ودعم قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بملف الصحراء.

ورسخت مبادرة مدريد تلك منذ السنة الفارطة، الإعلان عن مرحلة جديدة، قوامها شراكة استراتيجية تبرز دور الحليف والشريك الموثوق بين الجانبين، جعلت مدريد في صدارة شركاء الرباط وعلى نفس الدرجة جعلت من هذه الأخيرة من أوائل الشركاء للجارة الشمالية، مع مقاربة واسعة الأهداف والبرامج تمتد من مشروع الربط القاري وإلى غاية الملف المشترك لتنظيم كأس العالم خلال العام 2030.

ولعل المراقب للملف الذي نحن بصدد التطرق إليه، ورغم ما تم ذكره من نقاط إيجابية وشراكة وتمتين لصلات التحالف، لا بد أن يأخذ في الاعتبار ما تمخضت عنه الاستحقاقات الأخيرة في إسبانيا، حيث ما زالت نتائج الانتخابات المحلية والجهوية التي شهدته البلاد شهر مايو الأخير، تثير كثيراً من النقاش وتنبثق عنها رهانات مختلفة على الخصوص فيما يتعلق بالعلاقات المغربية الإسبانية، لا سيما في ظل تفوق واضح لليمين الإسباني ممثلا في الحزب الشعبي واليمين المتطرف في شخص حزب "فوكس".

وبتسجيل تراجع في نتائج الحزب الاشتراكي وخسارة كبرى على مستوى نتائج حزب أقصى اليسار "بوديموس"، يبقى الطرف الأكثر خسارة في المشهد السياسي عند الجارة الإيبرية هو حزب "سيوديدانوس"، هاذان الأخيران اللذان شكل صعودهما بمرجعيات متطرفة، على أقاصي اليمين واليسار، ثقلاُ كبيرا على الحزبين الشعبي والاشتراكي، بل هددا معا الثنائية الحزبية التقليدية في البلاد التي لا طالما قاومت تلك التقلبات الجديدة وضغطت على الحزبين التقليديين للتحالف مع تلك الكيانات السياسية الصغيرة.

دفعت نتائج الاستحقاقات الجماعية والجهوية الأخيرة رئيس الوزراء بيدروشانسيز إلى المبادرة بحل البرلمان وتقديم موعد إجراء الانتخابات التشريعية التي تقرر لها تاريخ 23 يوليو 2023. وهو سعي إيجابي من قبله لزعزعة استقرار اليسار السياسي وفي نفس الوقت تعبئة لتجاوز الخلل الذي عرفه المشهد السياسي واستثمره اليمين، ومن ناحية أخرى النهوض بالرأي العام الإسباني وحشده نحو مشاركة مكثفة في هذه الانتخابات الفاصلة.

وفي ضوء ما سبق ذكره، لن تخرج السيناريوهات المحتمل وقوعها بخصوص العلاقات المغربية الإسبانية عن المشاهد التالية: في حال عودة الحزب الاشتراكي إلى رئاسة الحكومة، تنتفي كافة العوائق والصعوبات، وفقاً لخارطة الطريق التي رسمتها البلدان وسوف يستمر تنزيلها على النحو المخطط له، وفي حال بروز سيناريو معاكس إذا ما نجح الحزب الشعبي في تأكيد نتائج انتخابات شهر مايو الماضي، وهنا سوف يختلف المشهد نسبياً مع طرح تساؤل منطقي وتصوري لمستقبل تلك العلاقة المغربية الإسبانية.

من المؤكد ومنذ الوهلة الأولى، بالنسبة للمتابع للشأن السياسي الإسباني عبر مختلف المراحل السابقة، أن مشهد الحزب الشعبي سوف يختلف كلياُ عن موقعه في الحكومة عما عنه في المعارضة، هذا إذا اعتبرنا ما يُحيط بتسيير الدول من إكراهات وسياسات وأولويات، وفي حال نجاح الحزب الشعبي بالجارة الشمالية يتوقع قيادته للحكومة المقبلة بناء على مصالح ووفق حسابات الدولة العميقة ومنها الأمن والاقتصاد ومكافحة الإرهاب والهجرة وغيرها من المجالات التي تشكل مواضيع تعاون وثيق بين البلدين.

وحال وضع المواضيع الخلافية جانباً والتركيز على نظيراتها التوافقية، لن يفوق تلك القضايا أهمية عن ذلك المعنى بالاعتراف الإسباني بسيادة المغرب على صحرائه، عبر الدعم الصريح لمخطط الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، والذي أشار على موقف تاريخي للجارة الشمالية وتم اعتباره تحولاً جذرياً في مسار القضية الوطنية الأولى بالنسبة للمغاربة، وهو تعبير عن موقف دولة يتسم بالاستمرارية حتى مع وصول الحزب الشعبي إلى رئاسة الحكومة.

الموعد المرتقب هو تاريخ يوم 23 يوليو 2023، وبناء على ما ستسفر عنه تلك الاستحقاقات المبكرة، سنتمكن من رسم خارطة طريق تكميلية في غالب الأحوال لأسس علاقة متينة وتحالفية بين بلدين جارين يربطهما التاريخ قبل السياسة وتربطهما قضايا ذات اهتمام مشترك تعلو وتفوق في أهميتها العليا نتائج انتخابات يغفل من يظن أن فوارقها النسبية قد تضرب أسس علاقة الجوار والروابط المختلفة التي يحرص على امتدادها وتمثينها صناع القرار في البلدين.

آخر الأخبار