أحياء لها تاريخ: حي تالبرجت بأكادير الذي تحول إلى أثر بعد عين في 15 ثانية

الكاتب : الجريدة24

28 أغسطس 2023 - 10:40
الخط :

أمينة المستاري

 تالبرجت...أو البرج الصغير...من أشهر أحياء أكادير الذي تحول إلى أثر بعد عين في 15 ثانية، وتحول إلى أنقاض في زلزال أكادير. تالبرجت له تاريخ عريق بأزقته ودروبه التي تحكي قصته، كيف نفض عنه تراب النسيان وعاد ليقف من جديد وينبعث من تحت الأنقاض.

عرفت أكادير نكوصا بعد أن أنشأ المولى سيدي محمد بن عبد الله ميناء الصويرة وفتحه في وجه الأوربيين فتحولت الصويرة إلى مركز تجاري، على حساب مدينة أكادير واضطر معه التجار للإقامة بموكادور، وتتحول المدينة إلى قطب تجاري على حساب أكادير التي انتزعت منها "الريادة" بإغلاق مينائها.

200 سنة من العزلة عرفها الحي، قبل أن يعود إلى الواجهة مع بداية سنة 1901، ويصبح في قمة العطاء الاقتصادي والفني والاجتماعي والرياضي ويصبح من أهم أحياء مدينة أكادير.

عاشت أكادير فترة انبعاث منذ سنة 1945 بعد أن اضطر المستثمرون الأجانب اللجوء إلى المغرب هربا من ويلات الحرب العالمية الثانية، واختاروا أكادير لاستثمار أموالهم خاصة وأن اليد العاملة موجودة بوفرة والأمن مضمون، فكان اهتمامهم  بقطاع الصيد البحري والصناعات المرتبطة بها، إضافة إلى الفلاحة التي كانت الملاذ لمجموعة منهم خاصة أن الأراضي ذات جودة خاصة بهوارة ...كما اهتمت نسبة من المستثمرين بقطاع السياحة، وأصبح حي تالبورجت مقرا وسكنا لهم، فعرف رواجا اقتصاديا وتوسع البناء والعمران به، وتزاوج البناء القديم المبني بالحجر والطوب بالعصري المتميز بهندسته ومعماره الأوروبي، فبنيت الفنادق كفندق لوريكي، كناريا، السكيني، التجارة، الخليج، الفندق الكبير،لابي...والمقاهي والعمارات، وقاعات السينما كسينما صحراء، وسينما ريكس...

تحولت أكادير من مدينة تعتمد في اقتصادها على الرعي والتجارة البسيطة والصيد التقليدي إلى مدينة الصيد البحري والصناعة السمكية، وسيبدأ التصدير لأوروبا التي أنهكتها الحرب، ونال منها الجوع، وقد قامت الحماية الفرنسية بتطوير البنيات التحتية لأكادير، فكان حي تالبورجت في قلب حركة تمدن وعنصرنة.

تغير حي تالبورجت بشكل كلي، خاصة بين  1945 و1955 ، مع ارتفاع الطلب على السكن وبالتالي تزايد الإقبال على ارتياد المحلات والمتاجر، وتحول إلى ملتقى للجنسيات والتعدد الهوياتي والتعايش بين الأوربيين يحتضن هويات ثقافية ودينية متعددة، انصهرت فيها القبلية وتعايش فيه اليهود والعرب والأمازيغ والفرنسيون.

عرف حي تالبورجت بناء مدرسة الأطفال الإسلامية، إلى جانب مدرسة سيمون بزنقة السباعي، ومدرسة البنات مع السكن الوظيفي للمعلمين،  أما في مجال الصحة أقيمت مصلحة الصحة الخاصة بالماخور الذي أنشأ في ظل الحماية.

وقد أقام اليهود في الجزء الجنوبي من الحي، وأقام به يهودي مستودعا للمتلاشيات وهو مؤشر عن ظهور نمط تجاري حضري جديد، وضم الحي إلى جانب ذلك مساجد، ومعبدا لليهود " سيناكوك"، كما تطور بناء العمارات والفيلات التي بناها الفرنسي "موسيو بوبي" ، إضافة إلى تشييد ثلاث عمارات من أربعة طوابق في ملكية الدولة لفائدة مصالح الشرطة والبلدية والبريد...

كان الحي مثال للأحياء الراقية في تلك الفترة، ببناياته المتميزة ومرافقه الخدماتية وأزقته الأنيقة...وقطن به مجموعة من الشخصيات كأسرة أخنوش...وتحول الحي إلى حي بمواصفات أوربية تنتشر في شوارعه حافلات النقل العمومي، والسيارات...

ليلة  29 فبراير من سنة 1960 كانت نقطة تحول في تاريخ الحي، فقد كانت 15 ثانية كافية لإخفاء حوالي 90 في المائة من الحي تحت الأنقاض  في زلزال أكادير، تهاوى مسجد الحي التاريخي و مجموعة من البنايات الجميلة والأنيقة فوق ساكنيها، في ليلة رمضانية، وبعد زيارة المغفور له محمد الخامس قرر أن يعاد إحياء المدينة لتنبعث من جديد وينبعث الحي مرة أخرى في مكان جديد، ويبنى الحي الجديد بتصميم هندسي أوروبي ضم من جديد السينما والمسجد الكبير ومجموعة من المرافق والمدارس...

آخر الأخبار