مغرب ما قبل الاستعمار بعيون جاسوس فرنسي- الحلقة الرابعة

الكاتب : الجريدة24

10 أبريل 2024 - 03:00
الخط :

 أمينة المستاري

تمكن الطبيب فريديريك بحكم عمله أن يطلع على خفايا الأمور، لاسيما بعد التحاقه بمحلة السلطان " محلة القماش"، عمل فترة بالدار البيضاء وحكى في مذكراته عن ظروف اشتغاله الصعبة

في وقت لم يكن المغاربة يقبلون على الأطباء الأوروبيين، حيث يفضلون اليهود الذين يقدمون العلاجات الطبية بأثمنة بخسة في متناولهم ويتساهلون في تحصيل مستحقاتهم من المرضى.

في تلك الفترة، كانت "حركة" السلطان بالرحامنة والسراغنة وآيت الربع ومسفيوة، يتزعمها الصدر الأعظم "با حماد الرهيب" الذي عمل على قمع للقبائل العصية.

عاين الكاتب بنفسه ما كان السكان يحكونه عن المساجين ورؤوس المتمردين المعلقة... في باب الأحد وسجون الأوداية، وكيف أرسل إلى المعسكر الشريف سنة 1987 لمعالجة الصدر الأعظم، تجربة أتاحت لفريديريك التعرف على السلطان والتعرف على منطقة لم تستكشف بعد.

بعد أن تم انتدب للالتحاق بالمحلة، رحل بمعية خادمين وفارس، في اتجاه مدينة أطلق عليها "مدينة من قماش" في وصف محلة السلطان المكونة من خيام رمادية، بمثابة معسكر مكون من مخيم المخزن ومخيم العسكر، مشيرا في حديثه عنهما إلى أهمية كل واحد منهما، كما وصف قبة السلطان حيث يقيم وخيام حريمه.

استقبل فريديريك بشكل جيد، وخصصت له إقامة عبارة عن خيمتين، وحراس ومؤونة، لكن الصدر الأعظم لم يستقبله مباشرة، فقد كانت العادة أن تمضي ثلاثة أيام قبل أن يستقبل السلطان ضيفه

مما مكن الطبيب من استطلاع المكان قبل لقائه بالسلطان، بل ووضع تصميما للمخيم، في وقت كانت حالة الطقس سيئة جعلت حالة المخيم مزرية بفعل الوحل والعواصف والأمطار الصقيعية.

وصف الطبيب بشكل مفصل المحلة، التي كانت عبارة عن مخيم المخزن ومخيم العسكر، فالأول أقيم على هيئة دائرية تقوم وسطها قبة السلطان الكبيرة فوق ربوة صغيرة تعلوها كرة ضخمة مذهبة "الجامور" وتحيط بها خيام الحريم اللواتي اصطحبهن السلطان في حملته

ويحيط بالخيام حزام دائري من القماش "أفراك"، ووصف المؤلف المشوار وهو الفناء الذي يضم مكاتب الوزراء وكتابهم، والسوان المعروفة ب"بنيقة السلطان"، ورحبة المدفعية التي تضم 30 مدفعا موجهة نحو المشرق، وغير بعيد عنها تتواد خيام الرماة.

كانت القبائل تأتي للمحلة لتقديم البيعة والولاء ويؤتى برؤوس المتمردين المقطوعة، التي تعلق في وقت لاحق بعد تحنيطها من طرف اليهود على أبواب المدن لتكون عبرة للثائرين على السلطان.

بشكل دقيق، وصف فريديريك كل ما يحيط بالمحلة، "الروا" حيث تعقل جياد السلطان وخلفها مساحة خصصت لأسرى الحرب وباقي خيام الخدم وموظفي المخزن، و"الريف" أو معسكر المخزن والعسكر المكون من الكيش، المشاة النظاميين والقوات المساعدة "النوايب" التي تساهم بها قبائل النايبة التي تظل إلى حين انتهاء "الحركة".

عند حلول ساعة التقائه بالصدر الأعظم، ذهب الطبيب رفقة عنصرين من عناصر "المخازنية"، ليجده منهمكا في عمله، وبجانبه كاتب مكلف بشؤون الغرب وآخر مكلف بشؤون الحوز

وأتيحت له الفرصة للتعرف على "با حماد الرهيب" كما كان يطلق عليه، والذي كان يعاني من مرض "برايت"، وصف الطبيب ملامحه بدقة في كتابه، وبعد ساعتين من الانتظار سمحت لفريديريك أن يراقب الصدر الأعظم ويستنتج أنه رغم ملامح القسوة التي طانت تبدو عليه إلا أنه اتسم بصفتي "الوقار والهيبة".

أصبح لفريديريك منزلة كبيرة لدى با حماد، الذي أغدق عليه بالهدايا والعطف، بل وقربه إليه وجعله يفهم سبب إقامة المحلة التي تقام قرب أو وسط القبيلة المتمردة، حتى تأديبها والحصول على الغنائم وجلب السجناء الذين يتحولون إلى عبيد خاصة النساء والأطفال يباعون لموظفي المخزن بخيام المحلة

فيما يوضع السجناء الذكور في زرائب في انتظار أن تؤدى عنهم الفديات أو ينقلون إلى سجون مراكش والرباط والصويرة، ويتم جمعهم مكبلين وشبه عراة أو عراة في الوحل، يفك وثاقهم لإطعامهم بعض "البجماط" أو لإخراج الهالكين منهم...

في وقت وجيز، تمكن الطبيب من أن يصبح له رأي يعتد به الصدر الأعظم، وقد تمكن من أن يشفع للسجناء ليتم تحسين معاملتهم ومدهم بالثياب، لكن دون فك السلاسل اللولبية عنهم...

أصبح يعيش بين الناس ووصف فترات عصيبة من حياتهم داخل المحلة، خاصة أكل الحيوانات المهددة بالمرض والهلاك أو النافقة، ولم يعد لهم مورد آخر سوى نهب المسافرين والقوافل التي تمر من أمام المعسكر، يعترضهم الجنود الذين يقتلون الجمال لأكلها

مما جعل التجار يمتنعون عن المجيء للمحلة، وارتفعت أسعار المواد الأساسية، لتتحول إلى مجاعة، وفي تلك الفترة رأى السلطان أن المنطقة هدأت بعد أن عاد قدم الجميع فروض الطاعة، وعاد الأمن والاستقرار إلى مناطق ورديغة، امزاب، والمزامزة.

آخر الأخبار