مغرب ما قبل الاستعمار بعيون جاسوس فرنسي- الحلقة الخامسة

الكاتب : الجريدة24

10 أبريل 2024 - 05:00
الخط :

أمينة المستاري

قام الطبيب الفرنسي بوصف البناء المخزني وأسسه، في الفصل السادس من مؤلفه، وعمل على تشريح تركيبته بشكل مفصل. كانت قبائل الكيش، وهي شراكة والأوداية والبواخر والشراردة، ومنها اتخذت الحكومة موظفيها "أرستقراطية عسكرية وإدارية"، واعتبر "المخازني" بمثابة قائد داخل قبائل النوايب.

ويعتبر عناصر"الكيش" من المقاتلين والموظفين أبا عن جد المتحدرين من شرق المغرب وتلمسان ، جعلهم مولاي رشيد مؤسس الدولة العلوية في شكل "كيش" مع فرقة عربية وبربرية مأخوذة من مديونة وهوارة وبني سنوس، حتى أنهم كانوا يعفون من الضرائب على الأراضي التي منحت لهم بفاس، مكناس، الرباط، مراكش، العرائش وطنجة مقابل عملهم، فمنهم من يتقلد مهام الحرس والجندرمة والموظفين الإداريين... كانوا يستدعون للقتال متى عزم السلطان الخروج لتأديب القبائل، ويعودون لأسرهم بانتهاء "الحركة".

أما "الأوداية" فقد أنشأها مولاي إسماعيل، مكونة من العرب القادمين من تخوم الصحراء وجزء منهم من الجيوش السعدية المخالفة لعرب جشم، كما أسس هذا السلطان "البواخر" المتحدرين من مختلف مناطق المغرب أو من أقصى الجنوب، هم أشبه بالانكشاريين والمماليك، وبفضلهم تمكن مولاي اسماعيل من بسط سيطرته  على البربر، فيما اضطر سيدي محمد بن عبد الله إلى تشتيتهم  نظرا للخطر الذي شكلوه عليه.

بالنسبة لـ "الشراردة" فهم يتحدرون من حوز مراكش، سبق لها أن تمردت في عهد مولاي عبد الرحمان بن هشام، الذي عاقبها بنقلها إلى الشمال بل دمرها حتى لم يتبقى منها سوى أطلال عند ملتقى وادي تانسيفت ووادي النفيس.

بقيت هذه القبائل عبارة عن سوقات عسكرية في أطراف المدن العتيقة، مهمتها تأديب القبائل البربرية المتمردة، فيما كانت هناك قبائل يعتمد عليها المخزن في الحوز كعبدة واحمر والمنابهة وحربيل وآيت إيمور...عرفت بوفائها الثابت نسبيا.

وصف فريديريك طريقة لباس المخازنية وصفا دقيقا، ونوعية سلاحهم ودوابهم ...تطرق بشكل مفصل لتشكيلة الجيش النظامي، الذي أسسه سيدي محمد بن عبد الله وهو وليا للعهد، وذكر مميزات المخزني واصفا إياه بـ "الفارس الجلود الصبور، الماهر في لعبة البارود".

فقد أنشأ الجيش النظامي خلال معركة إسلي، وكان يضم 25 ألف فارس و1000 من المشاة، بعد الهزيمة اهتم ولي العهد بالمشاة وأنشأ الوحدات الأولى من الجيش المكونة من المتطوعين، لكن حسب الكاتب بالمؤسس الحقيقي لجيش المشاة هو مولاي الحسن، الذي لم يحالفه الحظ في إنشاء جيش نظامي.

كانت مهام هذا الجيش، الذي بلغ عدد المجندين فيه 20 ألف ثلثه من المسلحين، الخروج في الحملات، ونادرا ما يتقاضون الأجور، يزاولون مهنا بسيطة ومعظمهم لا يشاركون في التمارين، يظهرون يوم الجمعة حيث يتوجهون إلى المسجد في صخب وجلبة.

أما وحدة المشاة فكانت هي" الطابور"، يتولى قيادته قايد الرحا وخليفة وقياد الميا والمقدمين، يرتدون سروالا أزرق عريض وقميص أحمر وطربوش وحذاء وجلابة ...يحملون بنادق مختلفة خاصة من نوع "مارتيني هنري"، المصنوعة في مصنع فاس الذي أنشأه مولاي الحسن، وتسيره بعثة عسكرية  إيطالية، فيما يحمل البعض أسلحة بسيطة وصف الكاتب  حالتها بكونها" في أسوء حالة"، أما الذخيرة فلا توزع عليه إلا بتقتير.

يحكي الكاتب عن استقدام مولاي الحسن لهاري ماك لين الملقب ب"الكروني" التي تعني الكولونيل، وهو ضابط بريطاني سابق لتنظيم الجيش المغربي عمل على إعداد المدربين الذين يتم توزيعهم على الوحدات، فكان مستشارا وموظفا للمخزن في علاقاته مع أوربا، وبفضل تفانيه للسلطان أصبح شخصية لازمة لديه ولدى الصدر الأعظم باحماد، وأصبح لبريطانيا بفضله نفوذا داخل البلاط  لاسيما بعد وفاة مولاي الحسن.

تحدث فريديريك عن جنود المدفعية أو "الطبجية"، الذين أصبحوا بفضل البعثة العسكرية الفرنسية الأكثر تنظيما، أما الرماة فكانت مهمتهم حماية المدينة وإطلاق الطلقات من المدافع في المناسبات، فيما انحصرت مهمة سلاح الهندسة، الذي يضم مهندسين غالبيتهم درسوا في أوربا، اختيار مواقع إقامة الخيام في المحلة وتنظيم مجاري المياه، أما الفرقة الموسيقية فكانت ضرورية في الجيش الشريفي، فهي تقدم السهرات في المشور، تتكون من 20 شخصا، يرتدون قفاطين ويركبون بغالا ويغنون أهازيج مغربية وأخرى أوربية، كما ضم الجيش الشريف ما سمي "النوايب" أو القوات المساعدة التي يغيب عنها النظام، ثم انتقل فريديرك للحديث عن تشكيلة البحرية الشريفة التي غابت عنها الهيبة بعد فترة أوج (فترة القراصنة المغاربة الذين بلغوا البرتغال بغزواتهم)، ولم ينسى الطبيب الجاسوس التعرف على أسطول السفن التي كان المغرب يمتلكها ومهمة كل منها، وهي : البشير، الحسني، سداة التركي والتريكي.

في تلك الفترة من حكم المولى عبد العزيز، كانت طنجة والرباط محصنتين بتحصينات عصرية، بخلاف باقي المدن، فكان أول تحصين عبارة عن بطاريات أقامها مهندسون إنجليز وتم تزويدها بمدافع "أرمسترونغ"، فيما كان التحصين الثاني حصن " هيرفي" الذي أنشأه مهندس ألماني مسلحا بمدفعين من نوع "كروب" إضافة لمدافع أخرى.

أما مدينة الصويرة فعرفت بدورها تحصينات أقامها المهندس الفرنسي كورنو، ونفس الأمر بالنسبة للمدن الداخلية المحصنة بأسوار وأبراج وحصون تحول أغلبها إلى مجرد أطلال.

آخر الأخبار