مغرب ما قبل الاستعمار بعيون جاسوس فرنسي - الحلقة السادسة

الكاتب : الجريدة24

13 أبريل 2024 - 12:00
الخط :

أمينة مستاري

بعد مدة قضاها في المحلة وعايش أحداثا مختلفة ومظاهر البؤس والشقاء، حان وقت الرحيل من "الصخرة الدجاجة" والتوجه نحو مراكش. 21 يناير 1898...تاريخ لن ينساه فريديريك. استعاد فريديريك لحظات فك المعسكر، وكيف قرر أن تظل تلك الأحداث راسخة في ذاكرته، حيث قرر الوقوف فوق أكمة بعيدا عن حشود تمر كنهر جارف، هي عبارة عن عسكر ونساء ومساجين وحراس، وظل ينتظر مرور السلطان.

مرت لحظات وهو يراقب بإمعان مرور موكب حريم السلطان، هن زنجيات يحيط بهن الخصيان وحتى لا يتم التطاول عليهن بالنظر إليهن، يدير الحشد الظهر للموكب، ولم يلبث أن تبعه موكب السلطان مولاي عبد العزيز وهو فوق جواده تظله مظلة عنوان للسلطة.

وقف فريديريك يراقب وجه السلطان ونظراته، يحف به موظفو البلاط والحرس الأسود، وإلى جانبه الصدر الأعظم ...لحظات كانت كافية ليثير الطبيب انتباه السلطان لأول مرة وينال ابتسامة منه.

يستعيد الكاتب ذكرياته في الفصل السابع ويتحدث عن فترة ما بعد عودته إلى بلده، هناك شاءت الأقدار أن يلتقي السلطان مولاي عبد العزيز بعد خلعه عن العرش، تجاذب معه أطراف الحديث عن المغرب القديم والمخزن.

بعد صخرة الدجاجة، كانت وجهة المحلة هذه المرة دار ابن أحمد، مركز العمليات المقبلة التي أقيم بها المعسكر، بين ساكنة كانت إلى وقت قريب ثائرة ضد القياد كما هو الحال لدار الفكاك، دار سي الشرقي...قبل أن يقوم المخزن بعقاب المذنبين والعودة بغنائم، ما جعل البدو يقومون يستسلمون ويقدمون الذبائح .

يسرد الطبيب الجغرافي أحداثا لم تذكرها كتب عديدة عن تلك الفترة، كقدوم أحد الرعايا البريطانيين "جولي" إلى المغرب وادعائه وجود قرابة مع مولاي عبد العزيز(شقيقه)، وبكونه  تعرض للاختطاف في صغره من طرف جنود الماريشال في معركة "إسلي"، لكن روايته لم تقنع المخزن، فاختفى عن الأنظار، في الوقت الذي بقي فيه عبد الكريم باي، رفيقه النمساوي الذي قدم معه، بالصويرة بصفته قنصلا لملك أراوكانيا، فكان يبيع بطائق الحماية للأهالي مما أثار حفيظة الهيئة القنصلية التي شكته إلى المفوضيات في طنجة وقام المخزن بقمعه.

لم يكل عبد الكريم باي وحاول بكل جهده أن ينشئ شركة ولو دون الحصول على الترخيص، لتنتهي باعتقال مندوبه سالزبوري ومن معه قبالة وادي أساكا بواد نون، على متن سفينة تحمل بضائع، بسبب عدم وجود ترخيص المخزن، وقامت سفينة "الحسني" بطرد سفينة عبد الكريم، قبل أن تتدخل المفوضية البريطانية في طنجة لإطلاق سراحهم.

لم يغب عن فريديريك سرد وقائع اجتماعية عاشها كالاحتفالات في عيد الفطر والأجواء المرافقة لها سيما الهدايا التي تقدمها القبائل للسلطان والصدر الأعظم، والعقوبات التي نزلت ببعض القياد بسبب هداياهم "المهينة".

انتقلت المحلة إلى سطات، وكان الناس يحتفلون بمرور السلطان بمنطقتهم، ثم وصل الموكب إلى سيدي علي بمشارف أزمور، هناك تغير موقف المخزن، فقد منع الجنود من سرقة ونهب الساكنة، فأصبحت النساء والأطفال يتلقون السلطان بجرار الحليب لنيل بركته، إلى أن وصلت المحلة مراكش، هناك استقبل السكان السلطان، وقامت ألمانيا وفرنسا بإيفاد سفرائها لتقديم أوراق اعتمادها.

بعد استقراره بالمدينة الحمراء، عرف الطبيب بين علية القوم، واستدعي لدخول قصر الباهية لمعالجة إحدى حريم السلطان للمرة الأولى، رغم أنه لم يسمح له الاقتراب من مريضته، فقد عاينها عن بعد، بخلاف الوضع عند عيادته لإحدى محضيات الصدر الأعظم، ثم نساء وحريم علية القوم.

انتهت رحلة الطبيب مع "الحركات" بمرضه، الذي أفرد له حيزا من الفصل السابع، فلم ينجو فريديريك من الإصابة بوباء التيفوس الذي انتشر في مراكش بعد وصول المحلة بأسابيع، إضافة لانتشار الحمى التيفوئيدية الناتجة عن العدوى بعد عودة الجنود من الحركة، وتوافد البؤساء والمعدمين من سوس...

10 أيام قضاها الطبيب في الفراش لا يعي ما يجري من حوله، بسبب الحمى والهذيان قبل أن يغمى عليه وتنقطع أنفاسه، ما جعل رجاله يظنون أنه توفي، فأحضروا تابوتا لنقله إلى الصويرة أو آسفي لغياب مقبرة أوربية بمراكش، وهو ما شفع له بالنجاة من الدفن، فالتأخير كان لصالحه حيث عاد تنفسه الطبيعي بعد أيام قليلة.

خلال مرضه، لقي رعاية طبية من دكتور البعثة العسكرية ليناريس، وطبيب آخر يعمل في السفارة الألمانية، كما أبانت تلك الأزمة عن معدن رفاقه واهتمام القياد وموظفي المخزن والصدر الأعظم بصحته، فكانوا يسألون عن صحته أو يزورونه لدقائق ثم يرحلون.

بعد شفائه من المرض، قرر العودة إلى الدار البيضاء بعد 6 أشهر من غيابه ومكوثه ب"صخرة الدجاجة".

آخر الأخبار