رهاب النظام الجزائري من التقسيم

الكاتب : الجريدة24

17 يوليو 2021 - 03:00
الخط :

 لحسن العسبي

أثارت الحجرة التي ألقاها ممثل المغرب الدائم بهيئة الأمم المتحدة الأستاذ عمر هلال (وهو منصب غير عادي ضمن هرم الديبلوماسية المغربية)، في رسالته إلى الرئاسة الأذربيجانية المحتضنة بلادها لاجتماع حركة دول عدم الإنحياز، المتمثلة في الإشارة إلى حق ما أسماه "الشعب القبايلي بالجزائر في تقرير مصيره"، ردا على كلمة وزير الخارجية الجزائري الجديد رمطان لعمامرة التي تحامل فيها مجددا على حقوقنا الوطنية المغربية في وحدتنا الترابية.. أقول أثارت الكثير من الغبار وردود الفعل داخل المغرب وداخل الجزائر، التي أعادت في واقع الأمر إلى الواجهة بقوة شيئا مركزيا أساسيا، هو "رهاب النظام الجزائري من التقسيم".

ليس هنا مجال تقييم حجرة السيد هلال الكبيرة تلك، بالقول هل هي صائبة أم لا، لأن ذلك أمر يتطلب كثير تحليل بعناصر متراكبة جد معقدة، وطبعا تحت سقف الموقف المبدئي أنه ليس هناك في المغرب (دولة ومجتمع) من هو طامح أو سعيد  لأي فكرة لتقسيم الجزائر الشقيقة، عكس النظام الجزائري الذي يعمل ميدانيا وبملايير الدولارات منذ 1974 على محاولة تنفيذ تقسيم وحدة التراب الوطني المغربي. وهو المشروع الذي فشل وسيفشل دوما مهما طال العناد المرضي لنخبة جزائر 1962 المتسلطة على رقاب الشعب الجزائري، لأن المسألة مغربيا مسألة وجود لا مسألة حدود.

لكن ما يمكن التوقف عنده هنا، هو مسألة القلق الممط الذي يسكن وجدان النخبة الحاكمة تلك بالجزائر من خطر "تقسيم الجزائر" منذ سنوات وعقود. فهو رهاب جدي هناك. سبق للرئيس الجزائري الأسبق، شافاه الله وعافاه وغفر له، السيد عبد العزيز بوتفليقة أن عبر عنه في أكثر من مناسبتين خاصتين لنخب مغربية ومغاربية وازنة ومحترمة. والخوف كل الخوف هناك لا يشمل فقط منطقة القبايل بل أيضا مناطق الإباضيين الزناتيين بالوسط، وبشكل أكبر مناطق الجنوب من بلاد الطوارق (التي تضم أهم ثروات البلاد من بترول وغاز).

على هذا المستوى، فإن حجرة الديبلوماسي المغربي (وهي سابقة) ستكون موجعة جدا لتلك النخبة الحاكمة بالجزائر، التي هي في خصومة بلاضفاف مع غالبية أبناء شعبها.

ولعل الحكمة في تلك الحجرة، ليس فقط في أنها تؤشر على حقوق القبايليين الجزائريين، بل إنها تطرح المسألة ضمن مرجعية قانونية حقوقية دولية لتقرير المصير، الذي من ضمن مخارجه، ليس بالضرورة نهاية التقسيم والتجزئة والإستقلال، بل شكل تدبيري يقدم المغرب نموذجا رفيعا عنه في ما يتعلق بشكل تدبير شأنه الداخلي في صحرائه الغربية الجنوبية، هو حل "الحكم الذاتي". فهو في المحصلة شكل من أشكال تقرير المصير في القوانين الدولية له أمثلة عدة، أكثرها قربا منا هي التجربة الديمقراطية الإسبانية.

وهذا هو ما يخشاه النظام الجزائري بالتحديد، حين ينازع بكل ما يملك من قوة امام جرأة المقترح المغربي لحل الحكم الذاتي بالصحراء المغربية الغربية. لأنه نظام سياسي غير ديمقراطي يضع اليد بقوة الخلفية العسكرية على حق الشعب الجزائري، في تعدده الثقافي واللغوي، في دولة المؤسسات الديمقراطية.

بينما المغرب من خلال تقديمه مقترح الحكم الذاتي إنما يقدم الدليل على أنه دولة مؤسسات ديمقراطية بالمرجعية الدولية الحقوقية لذلك.

المستقبل يفرض حلا مغاربيا، مؤسساتيا، ديمقراطيا، تعدديا، تكامليا وتعاونيا. أما أن تعتقد تلك النخبة الجزائرية أنها ستفرض الأمر الواقع كما تريده على الشعب الجزائري وعلى شعوب المغرب الكبير وفي المقدمة منه الشعب المغربي بكل جهاته وتعدد خصوصياته الثقافية، فذلك لن يكون، لن يكون، لن يكون، مهما كانت فاتورته المجنونة.

هذه مجرد خواطر تأملية ذاتية لا غير، عفو الخاطر. وللكلام بقية دوما.

رأي