عن مشروع " الباشلور المغربي " نتحدث !!!

الكاتب : الجريدة24

23 سبتمبر 2021 - 01:00
الخط :

محمد الدرويش -رئيس المرصد الوطني لمنظومة التربية و التكوين

بعد أن كانت اللجنة الوطنية لتنسيق  التعليم العالي صادقت يوم 21 فبراير 2021 على  دفترالضوابط البيداغوجية الخاص بسلك البكالوريوس/ الباشلور ، و الذي يتضمن مقترح وحدات لجذوع  مشتركة ، و ملفات وصفية خاصة بوحدات في اللغتين الإنجليزية و الفرنسية،  و وحدات في المهارات ، و الكفايات الحياتية و الذاتية،  و وحدات الانفتاح ؛ هذا النظام - الذي قرر وزير التعليم العالي انطلاقته خلال هذا الدخول الجامعي - يتحصل الطالب خلاله على الشهادة بعد 4 سنوات من الدراسة ، و يهدف - حسب المشروع - إلى تحسين قابلية التشغيل ، و تطوير روح التنافسية لدى الطلاب ، و تحسين حركيتهم الدولية ، و التشجيع على الانفتاح ، و دعم الاستقلالية في المبادرات ، و غير ذلك مما جاء على لسانه و  بعض المسؤولين .

و انطلاقا من الأدوار المدنية للمرصد الوطني لمنظومة التربية و التكوين و المتمثل أساسًا في تتبع و تقييم و مراقبة  كل قضايا المنظومة ، و رغبة في إثارة انتباه المسؤولين بهدف تجاوز ما  قد يترتب عن التسرع غير المفهوم للوزارة في إنزال مشروع دون توفر الحد الأدنى لضمان نجاحه ، و تذكيرًا بالمواقف و الآراء التي عبر عنها المرصد الوطني لمنظومة التربية و التكوين حضوريا ، و عن بعد ،فإننا نعود لهذا الملف لعلنا نجد الآذان الصاغية و المستوعبة لما قد يترتب عنه هذا التسرع .

إن كل ما أورده القطاع الوصي من أهداف ، و حجج ، و مضامين في تسويق هذا المشروع ، ورد قبل 20 سنة تقريبا حينما قرر المغرب اختيار نظام L.M.D ضمن مسلسل بولون Process de Boulogne ، مع فوارق أساس في طرق الإعداد له ، و تطبيقه ، و الذي شهد مشاركة و انخراط الأساتذة الباحثين من كل المدن الجامعية بتضحيات مادية ، و مالية،  و فكرية ساهمت في تسهيل عمليات الانتقال من نظام إلى نظام ، و عرفت نجاحا غير مسبوق ، و بانطلاق جماعي في كل الجامعات المغربية ، رغم عدم التزام الحكومة آنذاك بتوفير ما وعدت به من موارد مالية و بشرية ،  و هو الأمر الذي لم يساعد  في تحقيق النظام لأهدافه ، بل كان سببًا في عدم تطبيق مقتضياته و بلوغ مداه .

و خلال هاته المدة الفاصلة بين تاريخ الرغبة في تغيير هذا النظام بنظام الباشلور ، أعاد القطاع الوصي نفس الأسطوانة بنفس التشريح و بغياب الحديث عن الجوانب المالية و البشرية ، بل بالتحويل القسري لأدوار التعليم العالي ، و المتمثلة في التكوين ، و التأطير،  و البحث ، و إعداد النخب المواطنة إلى أدوار مهنية صرفة ، و التكليف القسري للأستاذ الباحث بأن يصبح معلمًا للمهارات الذاتية ، و الحياتية،  و اللغوية للطلاب و هو الأمر الذي يتم في دول الباشلور الحقيقي و غيره من الأنظمة خلال مراحل التعليم الأولي ، و الابتدائي،  و الإعدادي ، و الثانوي ، لا العكس ! ثم إن هذا المشروع بنفس المضمون و الشكل سبق لجامعة القاضي عياض أن طبقته بدءًا بسنة 2017 بمسالك الماستر و الإجازة المهنية ، فهل انطلق القطاع الوصي من تقييم موضوعي لهذا المشروع و هاته التجربة بنتائجها و ماليتها و إمكاناتها البشرية ؟ لا نعتقد ذلك ، فهي تجربة لم تعرف النجاح المرجو لها.

لذلك يبدو لنا  أن القطاع الوصي أخطأ مرات عديدة ، و هو يهيء لهذا المشروع ، إذ لم يشرك الأساتذة الباحثين في التفكير و الإعداد له بمنطق تشاركي فعلي ، لأنه اعتمد التفكير المغلق في اطار ندوة الرؤساء و شبكة العمداء ، و لم يكن السيد الوزير منصتا جيدًا لأصوات من داخل الرؤساء ، و من خارج مسؤولي الوزارة و الجامعات  نقابيًا و مدنيًا و أساتذة باحثين ، و الذين نبهوه إلى استحالة تطبيق هذا المشروع بسبب عدم توفر شروط و غياب ظروف انطلاقه ، بل إنه بلغ حد اعتبار أي رأي مخالف له  ضده و ضد مشروعه ، فهل هيأ السيد الوزير شروط و ظروف نجاح انطلاق نظام الباشلور ؟؟؟

إن نظام الباشلور في الدول التي استحدثته يقوم على :

- التمييز بين التعليم الحضوري ، و التعليم الالكتروني ، و التعلم عن بعد .

- حرية المتعلم في اختيار مسار تكوينه اعتمادًا على مهاراته،  و معارفه المحصل عليها قبلًا.

- أفواج المتعلمين لا يتعدى 30 متعلما .

- استخدام برمجيات دقيقة تتابع المتعلم في مساره التكويني في تفاعل مستمر بينه و بين الأستاذ و بين الإداري.

- إجبارية متابعة تكوينات المهارات و الانفتاح ليس في شكلها و مضمونها الابتدائي.

- توفير كل الشروط و الظروف للمتعلم  الذي حصل له تعثر في إحدى المواد أو الوحدات خلال فترة الصيف قصد استدراك ما تعثر فيه .

- تنظيم لقاءات بين المتعلمين و الأساتذة أسبوعيًا.

- اعتبار الشعبة هي المحور الأساس لتكوين و تعلم المتعلم في كل المراحل .

- ضرورة تواجد الأستاذ الباحث يوميا بمكتبه و الذي تتوفر فيه كل شروط العمل .

فأين نحن من كل هذا في مشروع

" الباشلور المغربي " ؟؟؟

لكل ذلك و لاعتبارات أخرى سنعود إليها نوجه نداء للمسؤولين :

أوقفوا هذا العبث بمصير الطلاب و الأساتذة و الاداريين ، و أجلوا عمليات البدء في نظام " الباشلور الموغرب " ، فلا علاقة له بنظام الباشلور الدولي ؛ فالظروف و الشروط المطلوبة غير متوفرة اجتماعيًا ، و ظروفًا سياسية،  و موارد بشرية ، و مالية ، و لوجيستيكية ، إضافة إلى أن أغلب الأساتذة ، و مجموعة كبيرة من المسؤولين غير متمكنين و عارفين بتفاصيل هذا المشروع الذي تم إعداده بعيدًا عن أعين الأغلبية المطلقة ؛ ثم إن جامعتين اثنتين هما جامعة ابن طفيل بالقنيطرة،  و جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس رفض الأساتذة الباحثون بهما الاستجابة  لدعوة القطاع  الوصي  ، كما أن 95 %  من المؤسسات التابعة للجامعات العشر غير معنيين بهذا المشروع ، و لم يقدم الأساتذة بها  أي وحدة للتكوين؛ فعن أي باشلور يتحدثون ؟

و لماذا  التسرع ؟  و لماذا التعتيم و اللجوء إلى أساتذة مبتدئين - باستعمال كل الوسائل - من أجل تقديم مشروع تكوين  ؟ و لماذا تجاوز الهياكل و البنيات المؤسساتية من أجل هذا المشروع ؟ و لماذا غياب الوضوح في مقتضيات تطبيقه البشرية و المالية ؟ علما أنه  يتطلب 20٪؜ من ميزانية قطاع التعليم العالي تكلفة السنة الرابعة المضافة ، …

و لئن كان هذا المشروع  واعدًا ، إذا أحسن الإعداد له ، سيكون  التسرع في تطبيقه  عنوان فشله قبل انطلاقه ؛ ثم إنه لا يجوز  بأي حال  من الأحوال أن نتحدث عنه بالتجزيء ، و التجربة ، فلسنا في مختبر ، فالأمر يتعلق بشباب المملكة المغربية و ليس بأدوات و مواد استهلاكية !!!. و هل المغرب اليوم في هاته الظروف الاجتماعية و الاقتصادية بسبب وباء كورونا مهيأ لتطبيق نظام جامعي جديد ؟ . لا نعتقد .

و هل تم التفكير الرصين و المسؤول و العقلاني في مخرجات تقرير لجنة النموذ التنموي الجديد و الذي يعد - إلى جانب القانون الإطار طبعًا - المجال  الأنسب لكل مشروع مرتبط بقضايا منظومة التربية و التكوين ؟

نرجو الاستجابة لنداء المرصد الوطني لمنظومة التربية و التكوين فيتم إعادة النظر في المشروع برمته ، و الانكباب على إصلاح منظومة التعليم العالي و البحث العلمي  في تناغم تام مع مخرجات تقرير لجنة النموذج التنموي باعتماد العلاج بالصدمة ، و الاهتمام بالعنصر البشري طلابا و أساتذة باحثين و إداريين ، و العمل الجماعي من أجل الاجابة عن سؤال أي تعليم عال لأي مجتمع ؟

رأي