دلالات الإعلان عن تأسيس المنتدى البرلماني "أفرولاك" بمجلس المستشارين

الكاتب : الجريدة24

13 نوفمبر 2019 - 11:35
الخط :

جرى، يوم الجمعة الماضية، بمقر مجلس المستشارين، التوقيع على وثيقة الإعلان عن تأسيس المنتدى البرلماني لبلدان افريقيا وامريكا اللاتينية والكراييب "أفرولاك"، وتناقلت العديد من المواقع والصفحات تلك الصورة التاريخية التي جمعت رئيسي مجلسي النواب المغربي، لحبيب المالكي وحكيم بن شماش، يدا في يد مع رؤساء كل، نعم كل، الاتحادات الجهوية والقارية بأفريقيا وامريكا اللاتينية والكراييب، وهي لحظة وان كانت ستظل دون شك في الذاكرة الجماعية لبرلمانيي ودبلوماسيي المغرب، فإنها تستحق الوقوف عندها وتحليل رمزيتها، و لأجل ذلك نعتقد بضرورة وضعها في سياقاتها التاريخية والراهنة.

فالجزم بكون هذه اللحظة وهذه المبادرة غير مسبوقة في تاريخ الدبلوماسية البرلمانية المغربية، لا يعفينا من واجب التحلي بالقراءة الموضوعية في حضور وعمل المنظومة الدبلوماسية الوطنية ككل على الواجهتين الافريقية والامريكو لاتينية، وكما يعلم الجميع، فالمحطات التاريخية للتعاون والشراكة بين منطقتي افريقيا وأمريكا اللاتينية، وخصوصا قمم قادة ورؤساء الدول طبعها الغياب الشبه الكلي للمواكبة البرلمانية لممثلي شعوب المنطقتين.

فالقمة الاولى لقادة ورؤساء الدول الافريقية وأمريكا الجنوبية ASA انعقدت في دجنبر 2006 بالعاصمة النجيرية أبوجا، بمبادرة نيجيرية-برازيلية، وتميزت القمة الاولى بمشاركة مغربية وازنة جسدتها مضامين الرسالة الملكية الموجهة للقادة ورؤساء الدول المشاركة.

لكن ثلاث سنوات بعد ذلك، ستعرف القمة منحى اخر بعد" استيلاء" ليبيا معمر القذافي، وفنزيولا شافيز، على مجريات التحضير وعقد القمة الثانية، حيث استضافت فنزيولا القمة الثانية في شتنبر 2009، لتجعل منها محطة لتكريس منطق "التعاون" القائم على الاعتبارات الاديولوجية الضيقة، وفضاء بهدف واحد هو مهاجمة "الاعداء" الايديولوجيين.

الوفد المغربي ترأسه وزير الدولة آنذاك، محمد اليازغي، حيث هدد بالانسحاب من القمة بدعم من مجموعة من الدول الإفريقية وطالب بلقاء مع الرئاسة الفنزويلية التي اضطرت الى سحب ما يسمى  بعلم الجمهورية الوهمية وإغلاق معرض خاص بها على هامش افتتاح القمة، ما دفع الرئيس الجزائري الى الامتناع عن القاء كلمته.

جدير بالذكر ان هذه السنة، 2009، تزامنت مع اغلاق المغرب لسفارته بكاراكاس عاصمة فنزويلا في يناير 2009 ونقلها الى سانتو دومينغو عاصمة جمهورية الدومنيكان.

كما تم اقرار ليبيا بلدا مضيفا للقمة الثالثة سنة 2011، وهي القمة التي لم تنعقد ابدا نظرا للأوضاع والمتغيرات التي عاشتها ليبيا.

القمة الثالثة، انعقدت بمدينة مالابو، بجمهورية غينيا الاستوائية، وتميزت بعودة البرازيل لتزعم المبادرة، حيث كانت كلمة الرئيسة السابقة ديلما روسيف الخطاب الابرز بالدورة، الى جانب رئيسة مفوضية الاتحاد الأفريقي آنذاك دلاميني زوما.

خلال هذه القمة، تمكن المغرب من الظفر بالرئاسة المشتركة مع فنزويلا، لمجموعة العمل المتعلقة بالتجارة والاستثمار والسياحة.

جدير يالاشارة، انه سنة 2016، تم الاتفاق على عقد القمة الرابعة لقادة دول افريقيا وأمريكا الجنوبية بعاصمة الإكوادور ليتم الاتفاق على تأجيلها الى سنة 2017، وفي غياب اية وثائق او تصريحات رسمية، لم نستطع رسم الادوار التي تلعبها المملكة المغربية في  دينامية هذه القمة الجديدة المفترضة،  خاصة بعد العودة المؤسسية الى احضان الاتحاد الإفريقي والسياسة الريادية التي تلعبها بلادنا في ارساء علاقات دولية جديدة قائمة على قاعدة التعاون جنوب-جنوب، لكن ومن خلال البلاغ المشترك الذي صدر عقب لقاء وزير الخارجية والتعاون آنذاك، صلاح الدين مزوار، بنظيره بالجمهورية الفدرالية للبرازيل، ماورو فييرا، في مارس من سنة 2016، يتبين انه كان هناك توجه أو محاولة لحضور ممثلي الجمهورية الوهمية للقمة الرابعة، وهو ما تعكسه النقطة 22 من ذات البلاغ:

22- المغرب والبرازيل – وبصفته منسقا عن امريكا الجنوبية للقمة الافريقية- الأمريكو جنوبية -شددا على ضرورة الحفاظ على الشكل الاولي لآلية التعاون والحوار بين الدول، وفقا للمبدأ الاصلي المعتمد بقمة أبوجا التأسيسية (والذي ينص على ضرورة السيادة والعضوية الكاملة للدول الأعضاء بالقمة في هيئة الأمم المتحدة).

وكما سبقت الإشارة فان هذه الدينامية باهميتها وسياقاتها التاريخية وحتى انزلاقاتها في محطات أخرى، "رافقها" غياب شبه كلي للمواكبة البرلمانية للمؤسسات التمثيلية بالمنطقتين وضمنها المؤسسة البرلمانية المغربية.

فعلى مستوى القارة الافريقية ورغم العديد من المبادرات وتبادل الزيارات ظل الحضور البرلماني المغربي، بتواز من انسحاب وغياب المغرب من منظمة الوحدة الافريقية، وبعدها الاتحاد الافريقي، خافتا ودون مستوى التطلعات باستثناء الدور الهام الذي طبع حضوره داخل أجهزة الاتحاد البرلماني الافريقي.

ومع مافرضته الدبلوماسية الملكية المباشرة والمقدامة بإفريقيا من مواكبة برلمانية،  وبعد العودة التاريخية لبلادنا الى حضنها المؤسسي بافريقيا، تم ترسيم انضمام البرلمان  المغربي الى برلمان عموم افريقيا، وتم توقيع اتفاقية شراكة مع برلمان المجموعة الاقتصادية لبلدان غرب افريقيا "سيدياو" وقام مجلس المستشارين بمبادرات برلمانية افريقية نوعية وخصوصا اللقاء التشاوري البرلماني الافريقي بمناسبة كوب 22 بمراكش، ورئاسة حكيم بن شماش لرابطة مجالس الشيوخ والشورى والمجالس المماثلة بإفريقيا والعالم العربي والعديد من المبادرات المتميزة التي قام بها البرلمان المغربي بمجلسيه داخل القارة الافريقية.

أما منطقة أمريكا اللاتينية والكراييب، فقد شكلت لعقود متواصلة، إحدى نقط ضعف الدبلوماسية البرلمانية والمغربية بشكل عام.

فمعلوم أن اغلب الاعترافات بالجمهورية الوهمية بأمريكا اللاتينية كان خلال سنوات الثمانينات، أي في أوج المد اليساري الراديكالي بالمنطقة، وفي عز التحولات والتقلبات السياسية التي فرضتها مخلفات الحرب الباردة، والذي قابله جو من الانحسار والتدافع السياسي الحاد ببلادنا.

لكن الأكيد أن الدينامية والانفراج السياسي والحقوقي والمصالحة السياسية الوطنية، التي ميزت مسار الانتقال الديمقراطي وبناء المؤسسات ببلادنا، وخصوصا الزيارة الملكية لبعض بلدان أمريكا اللاتينية سنة 2004، كلها عوامل غيرت منظور وعلاقة المغرب بمنطقة أمريكا اللاتينية والكاراييب، حيث قامت مجموعة من الدول اللاتينية بسحب اعترافها بالجمهورية الوهمية، لكن ومع ذلك فقد ظلت برلمانات العديد من هذه البلدان فضاء لترويج ودعم الأطروحة الانفصالية.

هذه المعطيات والمتغيرات فرضت على البرلمان المغربي لعب أدواره كفاعل مواز أساسي من خلال دبلوماسية برلمانية طموحة تسعى إلى ترسيخ علاقات سياسية بناءة وتعزيز التقارب مع ممثلي شعوب هذه المنطقة ومؤسساتها التمثيلية.

وهكذا وقع البرلمان المغربي اتفاقية إطار للتعاون مع منتدى رؤساء برلمانات أمريكا الوسطى والكاريبي (فوبريل) في أكتوبر 2014، ثم اتفاقية انضمامه كعضو ملاحظ دائم لدى برلمان أمريكا الوسطى في يونيو 2015، ومذكرة انضمام بصفة عضو ملاحذ دائم وشريك متقدم لدى البرلمان الأنديني، ليتوج هذا المسار بتوقيع اتفاقية انضمام البرلمان المغربي كعضو ملاحظ لدى برلمان أمريكا اللاتينية والكاراييب ( برلاتينو)، كأقدم وأهم تجمع برلماني بالمنطقة ككل.

لهذه الاعتبارات وكما قلنا في البداية، فان توقيع الإعلان عن ولادة المنتدى البرلماني لبلدان افريقيا وأمريكا اللاتينية والكراييب ستظل دون شك لحظة راسخة في الذاكرة الجماعية لبرلمانيي ودبلوماسيي المغرب، وكما سبق لرئيس مجلس المستشارين ان أكد في زيارة عمل لإحدى دول أمريكا الجنوبية، حيث قال ، ان تلك الزيارة رسخت لديه قناعات كبيرة مرتبطة بمدى فضاعة وشساعة ما تم تضييعه من فرص للتعاون بين المنطقتين الافريقية والامريكو لاتينية جراء حسابات واعتبارات اديولوجية ضيقة،

مؤكدا أن الاهتمام والاولوية التي اولاها مجلس المستشارين لمنطقة أمريكا اللاتينية تأسست على خلفية الرغبة في إرساء حوار برلماني متين، والرغبة في استثمار القيم والقواسم المشتركة من أجل مواجهة التحديات المشتركة، وقبل كل شيء الرغبة في هزم كل ما عرقل بناء شراكة استراتيجية بين المنطقتين سواء المرتبط منها بالبعد الجغرافي، أو بالاعتبارات الايديولوجية.

وأكد بن شماش أمام برلمانيي المنطقتين وامام ازيد من 120 برلمانيا امريكولاتيني أنه كمسؤول برلماني مغربي لديه الشجاعة الفكرية اليوم ليعترف ويقر أن منتخبي وبرلمانيي المغرب أيضا تأخروا في استدراك غيابهم عن التجمعات البرلمانية الوطنية و الجهوية والقارية بامريكا اللاتينية، لكن ولحسن الحظ وفي سنوات قليلة ربما لا تتعدى الثلاث أو أربع سنوات، وفي مدة قليلة راكم البرلمان المغربي علاقات قوية ومتينة مع نظرائه الامريكو لاتينيين وارسى حوارا متميزا بدأت ثماره ونتائجه تتجلى اليوم.

بل والأكثر من ذلك، أضاف بن شماش، فإن البرلمان المغربي نجح في الربط بين قارتين و برلمانيي المنطقتين الإفريقية والأمريكو لاتينية.

سياسة