جريمة نسائية... قتلت الخيانة في فؤاده

الكاتب : الجريدة24

16 أبريل 2022 - 05:00
الخط :

 رضا حمد الله

في رحم قرية غارقة في التهميش، نمت وعايش أبناؤها مراحل نمو جسدها وتبدل تقاسيمه وتموجاته. كلما اكتنز وبرز ردفاها، زادت أطماعهم فيه كما لو كانوا ذئابا متربصة بالفريسة. كل واحد منهم تمناها له يفترس لحمها ويستمتع بتذوق حلاوة حميميته. كثير منهم حاول وكرر المحاولة مرات طمعا في ودها، لكنها ظلت متمنعة عن الانسياق وراء رغبتهم ولو بالإغراء.

كل همها أن تكد وتجتهد في دراستها طمعا في مستقبل يخرجها من واقع اجتماعي لا يرضيها، وهي الفتاة الفاتنة المتشبثة بأمل الانعتاق مما هي فيه. كانت ترفض صداقة كل أبناء ذاك الحي الصفيحي حيث المنازل أعشاش قصديرية تشارك الفئران الإنسان العيش فيها وتحت سقف قصديري لا يقي من البرد والحر وحتى المطر. إنها لا تعرف من مسارات الحياة غير تلك التي يمكن أن تفضي بها إلى مستقبل أفضل مما هي فيه من فقر وحاجة وحرمان.

زادت السنين وكبر الجسد وتضاعفت أطماع العاشقين فيه، وبقي صمودها قويا في وجه الإغراء راسمة خارطة طريق خلاصها قطعت منها مسافة هامة بحصولها على شهادة الباكلوريا ولو بميزة أقل مما طمحت إليه. هذا النجاح شرع لها باب العيش بعيدا عن أسرتها في الحي الجامعي بمدينة بعيدة بعشرات الكيلومترات عن قريتها التي ستودعها وتودع سجن عادات أسرتها في عز شبابها حرمت فيه من كل شيء. فلا الظروف كانت مواتية ولا هي تحررت من قيود أسرية كبلت رغبتها.

لم تكن مندفعة ولا مقبلة على الحياة كبنات جيلها، ورغبتها لم تكن غير الحفاظ على نفسها وشرفها ولو أحاطت بها الذئاب البشرية المتربصة بجسدها. لكن الأمر سيختلف في المدينة حديثة العهد بها. هناك كل شيء مختلف تماما، وسائل التسلية والمرح متاحة وأبواب الحرية مشرعة، ولا ينقصها غير الإقدام والإقبال على الحياة. ترددت كثيرا كي تختار الطريق الأصح والأفيد لها. لكنها سرعان ما ستنجرف فتجرفها عواصف اللذة.

بعد شهور معدودات قضتها منغلقة على نفسها، تعرفت هذه الفتاة البدوية على زميلات خبرن في قوالب العيش أكثر منها، فكن لها بوصلة نحو الضياع. لقد غيرنها شكلا وسلوكا. لم تعد كما كانت لا تلبس إلا المحتشم من الثياب. لقد تعرت من ماضيها وأقبلت على الحياة بكل حرية بعدما تحررت من قيود الأسرة والمجتمع. لم تعد تلبس إلا القصير مما يكشف المفاتن، لأول مرة تلبس التنورة والقميص الفاضح لظهرها وصدرها، وتضع ملونا لشفتيها في رحلة اكتشاف جسدها المدفون سنينا في قبر التقاليد.

كن ثلاث مرافقاتها في طريق التحرر من أغلال الماضي. لم تكن قيمة المنحة الجامعية كافية للوفاء باحتياجاتهن من التغذية ولباس يظهرهن بمظهر أجمل. لذلك ارتمين طواعية في بركة آسنة لم يحسن الغوص فيها، فجرفتهن لحيث لم تتوقعه يوما. ما أن يخرجن من آخر حصة بالكلية حيث تدرسن الجغرافيا، حتى يتزين ويهرولن للشارع حيث يستعرضن أجسادهن لمن يريد اكتشاف جغرافيتها وقراءة تفاصيل تضاريسها.

نظرة فبسمة فتعارف فلقاء، مفاهيم اكتشفتها كما مقاه وفضاءات مغلقة شاهدة على بداية انحرافها. كانت البداية بقبلات مسروقة في لحظات عابرة مع كل شاب يفتتن بقدها الممشوق، فامتدت إلى حيث الحميمية أكثر في أسرة شهدت على زيغانها عن طريق رسمته لها الأسرة حفاظا على شرفها. لقد اكتشفت ما لم يكن لها به سابق معرفة. اكتشفت حرارة جسدها التي ستحرق كل شيء. تغيرت المضاجع وتكررت اللقاءات الحميمية وكسبت منها نا يغطي احتياجاتها المادية. عاشت على هذا الحال شهورا، قبل أن تتحرك المواجع.

فقدت عذريتها وحملت سفاحا أجهضته. أمهملت دراستها فرسبت السنة الأولى والثانية وأصبحت المنحة في مهب الريح، وزادت محنها. ولم يعد لها من سبيل غير الكسب من جسدها حولته رأسمالا قبل يبذل ويتحول بضاعة كاسدة لا زبناء لها إلا من قليلي الدخل والمياومين أما من يدفع بسخاء فلا يقبلون بجسد تآكلت مفاتنها ولم يعد بالطراوة المعهودة.

وامواج بحر الفساد تتقاذفها، تعرفت على شاب عطف عليها وطالت علاقتهما حيث ألفا بعضهما حتى أنهما كانا لا يفترفان إلا لماما. كانت تمني النفس أن يكون لها زوجا، فقد وجدت فيه ما لم تجده في كل الذين استمتعوا بطراوة جسدها ورموه في مزبلة النسيان لما ذبل. أما هو فلم يفكر في الارتباط بها لعلمه بماضيها. فقط اعتبرها مؤنسة لخلوته وفي كل سمر يجمعه بأصدقائه بمنزله الشاهد على حميمية علاقتهما.

قضيا سنينا معا حتى أن الكثيرين خالوهما زوجين. ومع مرور الوقت توطدت علاقتهما وزاد منسوب حبها له ورغبته فيها. كانت تغار عليه ولا تقبل بأن ينظر لغيرها نظرة إعجاب، وهو كان يكره أن تكون لغيره في الفراش، دون أن يتجرأ على الارتباط بها بعقد نكاح رغم أنها فاتحته وتوسلت إليه كثيرا.

في تلك الليلة كانت رفقته بمنزله وفي ضيافتهما 4 شباب بينهم فتاة. لقد أعدوا العدة لسمر وليلة حمراء لم يدروا أنها ستتلون بدمه. اقتنوا قنينات الخمر ومستلزمات الجلسة. ضحكوا ورقصوا على إيقاع الموسيقى الصاخبة دون اكتراث بالجيران. ومع كل كوب خمر احتسوه، كان حرارة أجسادهم تزداد وتركيز عقولهم واتزانهم ينقص. طال السمر ولعب الخمور بهم وتحركت الرغبة في الجسد.

كان العشيق بين فتاتين. هي على يمينه تسقيه خمرا وتتودد حميمية في حضنه، وعلى يساره عاشقة صديقه. طيلة الليلة لم يوليها الاهتمام المعتاد وبدا أكثر ميلا للتي على اليسار. كان يمرر يده بين الفينة والأخرى، على مواقع حساسة بجسدها، ويهمس تارة في أذنها بكلمات غير مسموعة. المشاهد تكرر مرات وحنقها زاد بعدما خالت الأمر عاديا في بدايته. لم تتوقع أن يتجرأ ليطمع في جسد عشيقة صديقه الحميم.

صبرت طويلا كاتمة حنقها، قبل أن تنفجر غضبا بتقبيله للتي على اليسار. جرته من عنقه إليها وكلمته بلطف عارضة عليه ما تبقى من مفاتن جسدها. لكنه لم يكترث وعاد إلى وضعه السابق. حينها انتفضت صارخة:

- ألم أرق لك حتى تهتم بغيري؟

لم يجبها ونظر إليها بازدراء دون أن ينبس بكلمة، وعاد من جديد لوضعه السابق. استخفافه أجج غضبها فدفعته بقوة قبل أن يسقط من على الأريكة، وينهض ويصفعها راسما لوحة غضبه وحنقه على خدها قبل أن يتدخل باقي الحضور لتهدئة الوضع.

ما وقع أفسد السمر. الأصدقاء ورفيقة أحدهم، غادروا المنزل الذي لم يبقى فيه سواهما. ظلا متسمرين في مكانهما نحو نصف ساعة، قبل أن تجدد عتابها له. لامته على ما قام به، فلم يتقبل لومها وعتابها الشديد، وتلاسنا وتبادلا عبارات السب. عيرها بشرفها وتأججت نار الغضب في فؤادها. وفي لحظة غادرت الغرفة وتوجهت إلى المطبخ. تسلحت بسكين صغير وعادت متظاهرة بطلب السماح منه.

قبلته وحضنته واعتقد أنها جادة في ذلك، وما هي إلا حيلة منها لتهيئة الفرصة للانقضاض عليه. وهي في حضنه، تناولت السكين وغرزته في قفاه بكل قوة وجرته بسرعة. قوة الضربة لم تترك له أي فرصة للدفاع عن نفسه قبل أن تتراجع إلى الوراء بسنتيمترات قليلات وتطعنه طعنتين في الصدر أطلق إثرهما صرخات أيقظت الجيران فاستفاقوا من نومهم مذعورين قبل أن يخرج بعضهم لتقصي حقيقة ما وقع.

وهي تهم بالفرار وثيابها ملطخة بدمه، حاصرها الجيران وأوقفوها إلى حين حضور رجال الدرك حيث كان هو في لحظة احتضار قبل أن توافيه المنية في الطريق للمستشفى. أمام المحققين حكت بالتفصيل الممل قصة ضياعها وقتلها الخيانة في فؤاده. لقد أحبته حين كان لها وقتلته لما مال لغيرها وتؤدي ضريبة اختيارها طريقا أوصلها للسجن حيث تنتظر منذ شهور عقوبة لم تقررها بعد المحكمة.

آخر الأخبار