لاغوم...مفتاح السعادة بالسويد

الكاتب : الجريدة24

03 يناير 2023 - 03:00
الخط :

سامية بوفوس  (و.م.ع)

في السويد، تشكل الحكمة الشهيرة "لا يتطلب الأمر الكثير لتكون سعيدا" تجسيدا لفن العيش السعيد الذي يسميه أتباعه "لاغوم".

وتقوم فلسفتهم في الحياة، المعروفة باسم (لار-غوم) lar-gom، بالفعل على البساطة والطبيعة والاعتدال. فهي نمط حياة يحيل على ثقافة العيش بالدانمارك المعروفة بـ "هيغ (hygge).

ففي وقت تتسارع فيه العولمة وتتم مطاردة الزمن، يسعى السويديون إلى إبطائها وإضفاء معنى جديد على حياتهم، من خلال الدعوة إلى الاعتدال والتوازن و"الحياة البطيئة"، كما يحبون تسميتها.

الاعتقاد السائد هو أنه عليك التوجه إلى شمال أوروبا لارتشاف السعادة. لكن الشعلة الحقيقية ستكون داخليا، بل حتى كونية. فمن "هيغ" (Hygge) في الدانمارك إلى "الهوبونوبونو" (Ho'oponopono) في هواي، مرورا بـ "كوزاغاش" (Cosagàch) في أسكتلندا، ابتكر كل شعب وصفته الخاصة للسعادة، والتي غالبا ما تجمع بين الرفاهية والبساطة. وهما عنصران يتجسدان معا في "لاغوم" (Lagom).

وعلى الرغم من أن أصل الكلمة يثير نقاشا، يتفق الكثيرون على أن (لاغوم) مشتق من التعبير "لاجيت أوم" (! laget om)، والذي يعني "جولة المجموعة". وتقول الأسطورة أن الفايكينغ اعتادوا الشرب واحدا تلو الآخر من وعاء واحد، وكانت فكرة "لاغوم" هي ضمان أن كل من شرب حصل على ما يكفيه فقط، ليتبقى من الطعام ما يكفي كل الحاضرين. إنه بعد الجماعة والاعتدال هو الذي سيكون أساس روح "لاغوم" الحقيقية.

إنها حالة باولا وآلان، وهما من أتباع فلسفة الحياة البسيطة هذه، وشعار هذين الزوجين الشابين، في عقدهما الثالث، "ليس كثيرا ولا قليلا جدا". بالنسبة لهما، يبدأ الاعتدال بمواقف الاستهلاك البطيء: اشتري بمسؤولية، دون مبالغة، وليس أكثر من اللازم.

إن البساطة والنظام والطمأنينة التي تنبعث من هذه الفلسفة هي بمثابة نسمة من الهواء النقي في عالمنا الفوضوي، تقول باولا، مضيفة أن أتباع نمط الحياة هذا يستهلكون القليل، لكن يستمتعون بشكل أفضل، بما لديهم بالفعل، ويتجنبون خلق الفوارق الاجتماعية، والاهتمام أكثر من أي شيء ببصمتهم البيئية.

وفي حديثها عن فضاء عيش مريدي أسلوب العيش هذا، تؤكد باولا أنه، مثل استهلاكهم البسيط، فإن مساحة عيشهم تكون في معظم الأحيان مرتبة. كل غرفة مأهولة بالكامل وعملية وخالية من الأشياء الزائدة. الإضاءة مريحة وليست مبهرة، الألوان الرئيسية محايدة بشكل عام، على الرغم من أنها تكون صاخبة أحيانا لإضفاء جو من الحماس.

ويقول زوجها، الذي لا يهتم هو الآخر بالمظهر المادي، إن أتباع هذه الفلسفة لا يحبون علامات التفاخر بالثروة، موضحا أن الأغنياء سيخافون كثيرا من أن يشعر من هم يملكون أقل منهم بالنقص. ومن هنا جاءت مقاومة الكثير منهم للأشياء المثيرة التي تبهر العين. فهؤلاء، بحسبه، يختارون بدلا من ذلك النماذج ذات الجودة المتوسطة، المألوفة في كل مكان.

ويعتبر السويديون من بين أسعد الشعوب في العالم، بحسب تقرير السعادة العالمي الذي نشرته الأمم المتحدة، والذي صنف السويد في المرتبة السابعة ضمن أسعد بلد في العالم. ففي سنة 2021، احتلت البلاد المرتبة السادسة، متقدمة على الدول الاسكندنافية الأخرى، التي تعتمد تقريبا نفس أسلوب الحياة ونفس المنظور للسعادة.

وليس من المستغرب عندما نعلم أن القيم الاسكندنافية تتماهى مع مبادئ "لاغوم" وتنقلها تماما: الهدوء والبساطة واحترام البيئة وجودة الروابط الاجتماعية... خاصة وأن السويديين ينسجون علاقة متفردة مع البساطة والانفتاح على الذات.

فمن الواضح أن "لاغوم"، الراسخة بقوة في الهوية الوطنية السويدية، توجه سلوك كل شخص في علاقته بالآخرين، وتساعد على التصرف بطريقة مدروسة ومفكر فيها، وهي قيمة منسية إلى حد ما في عالم يتسم بالاستهلاك المفرط.

آخر الأخبار